روح المتفائل ..
كتبه :- سعيد بن محمد آل ثابت
يرتاد
أرواحنا من حوادث الدنيا ما يعتري النفس دوماً فيورث هموماً وأحزاناً ,
وربما تكدر الخاطر , وشابه شيء من وقفات الانتظار الطويلة لرؤية عواقب
الأمور , والتبصر في ثنايا الحدث القائم .كل هذا شيء طبيعي لا يخلو منه أي
بشر مهما زكى , بل هذا المصطفى صلى الله عليه وسلم يخرج من الطائف إلى قرن
الثعالب هائماً على وجه إثر موقف أهل الطائف ذاك الزمان تجاهه .
لكن
إزاء ذلك نجد أن وجود التفاؤل , والنظرة للزاوية الإيجابية من كل ما يعكر
الفكر سيخلق روحاً جديدة مفادها علو الهمة , وتناسي غبار الحادثة واستنشاق
عطراً فواحاً لتفاؤل مجيد فتكمن هناك مصدات دفاعية لمواجهة المصاعب
والأحزان أيًا كانت . و يجدر بنا الوقوف الجاد مع هذه النقطة حيث نجد
القليل هم الذين يقلبون المحن إلى منح , وهم الذين يحسنون الظن في ربهم ,
وهم الذين تبقى رؤوسهم شماء عالية لا يستعبدها سوى الذي خلقها , ولعلنا في
هذه العجالة أن نتعاطى هذا الموضوع من نقطتين , الأولى نتاج الروح
المتفائلة , والثانية كيف نجعل من ذواتنا أرواحاً متفائلة ؟ .
____________
أولاً :- ما هي الآثار والنتائج من الأرواح المتفائلة ؟
1. على الأفراد :-
*
نيل الأجر والثواب في الصبر والتصبر :- قال تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ
وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " [البقرة:155-157] .
و عن أبي
هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، عن النبي –صلى الله عليه وسلم-
قال: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم،
حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .متفق عليه(واللفظ
للبخاري). وهذا إن صبر صبراً لا سخط فيه , وقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي
الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا
رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) .
*
العيش بطريقة متوازنة دينياً واجتماعياً إذ التفاؤل يعكس على نفس صاحبه
أنه لم يتغير شيء في حياته ليجعله منهزماً متشائماً , وفي المقابل فإن
المتشائم يفقد حيويته , وتفاعله مما يقد يرمي نفسه بالتهم الزائفة والتي
ستزيد من كثرة جراحه , ونشوب نار القلق و الاكتئاب في ذاته .
* خلق كثير من الفرص وطرق التعويض في غضون التحديات والمفاوز التي تحدث , وهذا يشكل روحاً مرنة تتعايش مع أي نازلة (بإذن الله).
__________
2. على المجتمع -
* وجود تعاون على كافة أصعدة القضايا العمومية من حيث التكاتف في دفع الأضرار , وإيجاد الأسباب في جلب الخير.
*
انتشار ثقافة الأعمال التطوعية والمشاريع الخيرية , وإن وجود مبادرات
تطوعية لخدمة المجتمع والقيام على مصالحه يندثر معها لاشك إسقاط المشكلات
على الغير أو حتى الوقوف موقف المتفرج , فيكن هناك روح التفاؤل والإيجابية .
* تطبيع الثقافة التفاؤلية على مستوى الجماعات والأفراد , والعمل بالروح المتفائلة مهما بلغت المخاطر والحواجز النفسية والوهمية .
__________
ثانياً :-كيف الطريق لإيجاد الروح المتفائلة في ذواتنا ؟
(سندمج هنا ما يكون على الفرد والمجتمع إذ ما يقوم به الفرد سيكون أثره على المجتمع , وما سيفعله المجتمع لن يقوم به سوى الأفراد).
*
الوقوف عند نصوص الوحي الرباني والهدي النبوي , وأخذ كامل العظة والتدبر
منهما , والقراءة في أخبار وواقع فعل السلف-رضي الله عنهم-وهذه بعض النماذج
,وهي كثيرة جداً:
- الله سبحانه يقول عن المؤمنين في غزوة
الأحزاب:" وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا
زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا " .
- رد الرسول -عليه
الصلاة والسلام- لخباب بن الأرت حين أتاه كما جاء في الحديث الصحيح , عن
خبّاب بن الأرت قال قلنا يارسول الله ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا ،
فقال :" إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع الميشار على مفرق رأسه فيخلص إلى
قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا
يصرفه ذلك عن دينه ، ثم قال : والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب
من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه ، ولكنكم قوم
تستعجلون ".
- موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين كان يحرض
الناس على جهاد التتار ويقول نحن منصورون قالوا له : قل إن شاء الله كان
يقول : تحقيقاً لا تعليقاً , أي أن الله تعالى محقق ذلك بمشيئته وقدرته
فشاء الله النصر , وهذا يدل على ثقة شيخ الإسلام بنصر الله تعالى وعلى قوة
إيمانه .
* التواجد دائماً في البيئات المتفائلة , الإيجابية ,
والعكس صحيح , وقد ذكر المولى-تبارك وتعالى-في حق نبيه-صلى الله عليه
وسلم-:" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا " , وذاك نظير الروح التي يمتلكونها فهم يدعون إلى الله
في الغداة والعشي , وهذا دليل على إيجابية نفوسهم , وتفاؤل أرواحهم , وعدم
عجزهم , وتخاذلهم.
* التدرب على حل المشكلات , وإدارة الأزمات ,
وفقه ذلك من أرباب الحق . والتعلم على إيجاد البدائل , وإيجاد القرارات
الناجحة وفق منطق رائد منبثق من الأطر الأصولية , والحقائق النفيسة , ولا
أدل من النفس الطويل التي تحظى به بعض الأقليات الإسلامية المضطهدة ,
والمشاريع المحاربة , بل حتى الأفراد المنكوبين , والذي تظهر في ردات
أفعالهم مايشهد التاريخ لهم بجسارة فؤاد وحسن نظر .
* تربية النشء
دائماً وأبداً على التفاؤل واستقصاء الحلول والبدائل في غضون أي صغيرة
وكبيرة , ورفض أي تقاعس في بذل ما يستطيعه تجاه طلب مرغوب أو دفع ضرر .
____________________________________
وهكذا
فإن الحياة الدنيا واحدة لا تستحق أن يجعلها الإنسان عائقه عن التغيير
والتجديد , فعش سوياً طامح العليا , و ليكن مرماك التغيير والتأثير ؛ وكل
ما تجده من الأزمات , والمعوقات تجعله عوناً لمسيرتك لا معيقاً عنها , وذلك
مذهب العظماء . . وأما العيش مستسلماً فهذا شأن واهن النفس , ولكل وجهة هو
موليها .