ألقى الصغير نظرة من النافذة... تراءى له شيء ضخم قادم.... أغلق النافذة بسرعة و رمى
بجهاز التحكم عن بعد من يده باتجاه أخته الكبرى..... تغيرت ملامحه و طغى عليه الخوف....
تسلمت الفتاة الجهاز الصغير و يداها ترتعدان بقوة لترمي به من جديد باتجاه أختها الكبرى....
أحست بأنها تحمل خطرا يجب التخلص منه.... غيرت القناة من قناة الرسوم المتحركة إلى قناة الأخبار و المصائب و
الحروب و رمت بالجهاز الصغير في اتجاه أمها......
اجتمع الصغار في ركن واحد بالغرفة، بينما حافظت الأم على مكانها و ثباتها و صمتها المعهود....
فُتح الباب و دخل بنفس الهيئة و الوجه المتشائم و النظرات العدوانية و الغضب المعروف.... يسود صمت مطبق...
يلقي التحية بصوته المتعصب و يجلس في مكانه.... يتسلم الجهاز الصغير و يتجه صوب قنوات الدين و الوعظ....
يبدأ الأطفال بالوشوشة و الضحك بصوت خافت..... يصرخ عليهم من جديد اصمتوا....
يعود الصمت من جديد ليلتهم وشوشاتهم و كلماتهم و ضحكاتهم البريئة، قبل أن يكسره بسؤاله المرتقب" هل من شيء للأكل؟".....
تنهض المرأة دون أن تجيب عن سؤاله.....
يجتمع الجميع على المائدة و يأكلون ما أعدته المرأة في صمت سائد يكسره الرجل بتذمره و شكواه عن نوع الطعام أو مذاقه....
تجيب المرأة المسكينة باستسلام و تذكره بأن ما أعدته هو ما يمكن إعداده.....
ينصرف الأطفال إلى ركنهم و تنظف المرأة المائدة...... يعود الصمت لينتصر و يكتسح من جديد ككل ليلة......
لا تمر إلا دقائق قليلة قاتلة قبل أن يخنق الرجل الصمت بأوامره التي لا ترد و لا تصد....
ينفض الأبناء و الأم و يذهبون للنوم تاركين الأب وحيدا مع غمه و ثقافته.....
يبدؤون بالكلام و الوشوشة في الغرفة الأخرى... يصرخ من جديد فاسحا المجال لمحبوبه الصمت ليطغى من جديد.....
و يعود الأب لفتح أذنيه الكبيرتين و يرفع صوت التلفاز تاركا العلماء يسبحون في عالمهم الروحاني لوحدهم.....