عندما حدثني المطر
كنت أتابع تهاطل المطر الذي اشتد حتى تحوّل إلى سياط تلسع دروب المدينة وأزقتها،
ثم ما تلبث السياط أن تتحوّل،
تماماً كما في قصص التطور الخيالي،
إلى أودية جارية جارفة،
تتهدد المدينة بكاملها في وجودها نفسه.
صرتُ أميل إلى استنكار داخلي واضح لهذا الوضع المهزوز الذي تأدينا إليه بسبب هذا التهاطل المكثف
كطلقات المدافع والرشاشات وسائر الآلات الحربية وقد تآلفت في إصابة نفس الهدف،
فصبّت عليه نيرانها من كل جانب.
صرت أميل إلى هذا الاستنكار مع مراعاة محدوديتي إزاء الحكمة الربانية الخالدة،
وأنا أستحضر قصة الطوفان التي اقترن بها دمار ونجاة.
كنت أوشك أن أنخرط مع نفسي في حديث ثنائي باطني،
عندما فاجأني لسان المطر يخاطبني،
فكان أن دار بيني وبينه هذا الحوار.
حدثني المطر قال:
ــ اسمع يا هذا!
لا متعة بي إلا لدى الفلاح والشعراء.
أما المدينة،
فانظر إلى ما أفعل بها في دقائق معدودات:
أغرق نصفها،
وأتهدد نصفها الثاني بالدمار.
ولم أتمالك نفسي،
فصحت محتجاً،
وأنا أكاد أذرف مطري،
أنا الآخر:
ــ لماذ؟ ما ذنب السكان الأبرياء؟!
قصف الرعد مُطلِقاً قهقهاته المدوية،
فكاد يصم مني الأذنين.
وقبله التمع البرق في عنان السماء،
فأوشك أن يخطف مني نور الناظريْن.
وحينها انهمرت شلالات المطر وهو يخاطبني باستخفاف:
ــ لا تستدرَّ رحمتي بالضعاف من الأهالي،
فإنما المدينة هي مسؤولوها.
وهؤلاء تعابثوا بميزانية بنية المدينة التحتية،
غير منتظرين لتوبيخ، ولا متوقعين لعقاب؛
فكيف تريدني أن أرحمهم،
وهم أنفسهم نهبوا ما اؤتمنوا عليه،
وخانوا أمانة من قاموا على رؤوسهم رعاة؟!
أفحمني منطق المطر،
فتقوقعت على نفسي،
كحلزون هرم،
وصرت أختلس النظرات إلى السماء،
منتظراً،
عاجزاً أو كالعاجز،
كالمسؤولين تماماً الذين انكشفت منهم الثغرات،
منتظراً ما يأتيني به حكم القضاء والقدر،
وما يسفر عنه غدي،
من سوء الحال أو حسنه، على السواء!!