الحمد لله الذي جعل أخيار الأولين عبرة للمتأخرين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين وبعد :
فهذه
بعض تقاييد ما عرف عن تاريخ بوسعادة ومؤسسها سيدي ثامر بن امحمد وسيدي
سليمان بن ربيعة جمعناه من الأخبار المتواترة و التقاييد المسطرة و بعض
المخطوطات و سيأتي ذكرها.
بوسعادة موقعها و تاريخها
بوسعادة
مدينة السعادة اسم على مسمى . أقرب واحة لمدينة الجزائر , فهي لا يفصلها
عن البحر الأبيض المتوسط سوى 200 كلم على خط مستقيم , غنية بتاريخها تتمتع
بمفاتن سياحية وبيئية وحضارية خاصة , تشكل بوسعادة جزءا من الهضاب العليا
الجزائرية وهي تقع على ارتفاع يبلغ 560 متر بالنسبة لسطح البحر و تمتد على
حافة سهب منخفض الحضنة وعلى السفوح الشاملية الشرقية لسلسلة جبال أولاد
نايل .
كانت المنطقة آهلة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ , حيث تم
العثور على العديد من الآثار التي تعود الى العهد الديبيرومويزي , أي منذ
حوالي ثمانية آلاف , أو عشرة آلاف سنة حيث كانت المنطقة آهلة بقبائل
البربر الزناتية أهمها بني برزال أو فيما عرف بالجيتول البرابرة الرحل و
بعد الاستلاء الروماني سنة 149 ق م عرفت المنطقة باسم بفادة وهو اسم لأسقف
روماني إلى أن جاء المسلمون في القرن الحادي عشر وأطلقوا على بفادة اسم
بوسعادة .
بوسعادة في العهد الإسلامي
بعد أن حقق المسلمون
عدة انتصارات على البيزنطيين دخل العرب أفريقيا وانتشروا في أرضها وتعاقب
أمراء المسلمين يفتحون مدنها وينشرون الدين الإسلامي حتى عمّ الإسلام بلاد
المغرب و في هذه المرحلة بقيت بوسعادة من غير بنيان يذكر وقد ورد في كتاب
تاريخ الجزائر للأستاذ توفيق المدني ... جاء العرب الهلاليون إلى إفريقيا
بلاد المغرب وانتشروا في القطر الجزائري وأغلبهم نزل في تونس و الزاب
والحضنة و بوسعادة بسفوح جبال أولاد نايل حتى جبال العمور ... وكانت
بوسعادة في هذا العهد العربي يتداول حكمها بين الدولتين الأغلبية بتونس و
الزيانية بتلمسان وهي منزل بعض الطوائف من العرب ومنهل لصادر و الوارد
مكثت بوسعادة على تلكة الحالة ردحا من الزمن إلى أن نزل بها أناس من مختلف
ومنهم البدارنة وهم بطن من بني عوف من قبائل سليم فبنوا مداشر قبلة الوادي
كما هو معروف باسمهم الآن وتملكوا بالوادي و كان تحت سلطة رجل يدعى بن
وهاس كبير قبيلة البدارنة و قد اشتراه منه سيدي سليمان و سيدي ثامر بعد
بناء المسجد كما سيأتي , ومنهم قبيلة الصحاري وهم بطن من بطون بني هلال بن
عامر , وهكذا توارد الناس على بوسعادة أفرادا و جماعات من مختلف القبائل و
النواحي و في أزمنة متعددة .
قدوم الشيخ سيدي سليمان
ومن
جملة من أمها الولي الصالح المربي الشيخ سيدي سليمان بن عبد الرحمان
الملقب بربيعة فنزل بالموقع المسمى الاعوينات وأسس فيه زاوية , وانتصب
لتلقين الأوراد و تعليم القرآن و الصلاة على الجنائز وإفتاء السائلين عن
ما يسألون في أمور دينهم لأن هذا الوطن كان وطن عرب رحالة وصحراء خالية
إلا ما بناه البدارنة وهو دشرة درمل و الهامل و العليق ودشرة جبل كردادة
التي فوق الأولاج بواد بوسعادة , وقرية الديس , ولما شرع سيدي سليمان في
التعليم و الوعظ و الإرشاد ذاع صوته وأجمعت العامة على حبه واحترامه
وتعظيمه . واختلف الرواة في تحديد الناحية التي قدم منها , قيل أنه قدم من
تافيلات , وقيل قدم من عين الريش لأنها مقر و مكان لأولاد سيدي بوزيد ,
وقيل قدم من ونوغة التي كان يسكنها مع أخيه أحمد لسوء تفاهم وقع بين
زوجتيهما فرحل , والله أعلم بحقيقة ذلك.
وعلى كل الروايات فإن الشيخ سيدي سليمان معروف النسب و الحسب وأنه سكن بوسعادة وأقام بها زاوية وخلف فيها أولادا .
قدوم الشيخ سيدي ثامر
وفي
حدود سنة 795 هـ الموافق 1394 م قدم على سيدي سليمان الولي الصالح الشيخ
سيدي ثامر بن امحمد , وسيأتي ذكر نسبه الشريف وسبب قدومه إلى هذه الديار
ومن أي ناحية أتى لأن الوقت لا يسعنا لذكر ذلك في هذه العجالة , وكان
قدومه مع رفيقه مولاه ميمون , فتلقاهم بالترحيب و الإكرام وأدخلهما الى
الزاوية فوجدا فيها سيدي دهيم وجمعا من التلاميذ فاستقبلوهم بالترحيب
وأقاموا معهم , وبعد أيام سأل سيدي سليمان سيدي ثامر عن سبب قدومه إلى هذه
الديار فقص عليه رؤية كان رآها كما سيأتي شرحها , فأشار عليه بالمقام عنده
فقبل , فعلمه و رباه , ولما كثر أتباع الشيخ و تلامذته اقترح عليهم سيدي
ثامر بقوله إننا في حاجة الى مسجد يجمعنا في الصلوات الخمس و نقيم فيه
صلاة الجمعة فوافق الجميع واستشاروا الشيخ سيدي سليمان فأذن لهم , فخرج
سيدي ادهيم و بعض الطلبة يرتادون موضعا لبناء المسجد فساقتهم الأقدار إلى
المكان الذي به المسجد اليوم , واختط سيدي ثامر منزلا إزاء المسجد على
أنقاض قصر بفادة الذي بناه الرومان مركزا حربيا وهدمه الوندال في غزوهم
على الإمبراطورية الرومانية فعرف المسجد به و الحي كذلك , يقال مسجد القصر
وحي القصر حين ذاك , أما اليوم فيعرف بجامع النخلة أو الجامع العتيق , ثم
شرعوا في بناء المسجد على نفقة سيدي ثامر , والذي تولى البناء سيدي ادهيم
لأنه كان يحسن صنعة البناء , ولما تم بناء المسجد و المنزل أقام سيدي ثامر
احتفالا لتدشينه حضره كل من سيدي سليمان و سيدي ادهيم و الةلي الصالح سيدي
عطية بن بلقاسم و الولي الصالح سيدي محمد الابيض المعروف بالطير الابيض و
كثير من أعيان القبائل النازلين بضواحي بوسعادة في ذلك العهد , ولما انتظم
الحفل قام الشيخ سيدي سليمان فدعا لسيدي ثامر بالبركة وقال له " جعل الله
عمارة هذا البلد على يديك وبارك الله في أرزاق أولادك وجعل فيهم الدين الى
يوم الدين " ثم قام سيدي ثامر بعده وقال :"إننا أسسنا هذه البلدة على
العدل والحق فمن ظلم فيها دمره الله ولو كان من أولادي " وقال أيضا : " كل
من أقام في هذه البلدة أربعين يوما و لم يعد نفسه من أهلها فهو مأثوم ,
وكل ساكن في هذه البلدة فهو ابن الصلب أو ابن القلب " .وأطلقوا على
المدينة اسمها الأول بوسعادة , وأضافوا لها مفردة السعيدة تفاؤلا بسعادة
سكانها في الحال و الاستقبال .
ثم بعد فترة قصيرة توسعت بوسعادة من
الناحية العمرانية الى عدة أحياء لا زالت تحتفظ بمسمياتها و هي القصر و
العشايشة و أولاد عتيق واولاد حميدة و الزقم و حارة الشرفاء و الموامين
أما من الناحية العلمية , فقد كان لكل حي مسجد وإماما راتبا يقوم بأداء
الصلوات الخمس , ويعلم مبادئ الإسلام من صلاة وصيام ...ويعلم القرآن , وكل
الأئمة كانوا يدرسون في فصل الشتاء – ليلا – الفقه كل إمام حسب ما يناسب
جماعته , فمنهم من يدرس أحكام الصلاة و الوضوء , ومنهم من يدرس التوحيد ,
ومنهم من يدرس تفسير القرآن العظيم , ومنهم من يدرس الفرآئض ...الخ
وباختصار
فإن مدينة بوسعادة كانت تزخر بالعلم و المعرفة عندما كانت الأمية ضاربة
أطنابها في أغلب القطر الجزائري , وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله .