شهدت بلدية إللتن بولاية تيزي وزو، نهاية الأسبوع الماضي، انجرافا للتربة أشبه ببركان، بعدما انفجرت
الأرض
بفعل قوة المياه الجوفية لتجرف معها كل ما وجدته في طريقها وعلى مسافة لا
تقل عن 3 كيلومترات. الظاهرة خلفت رعبا في أوساط السكان وأتت على ثروة
فلاحية معتبرة، كما تسببت في إخلاء عدة مساكن وإجلاء عشرات العائلات، وينصح
الخبراء بالإبقاء على حالة التأهب تحسبا لما هو أعظم.
روى سكان
المنطقة لـ''الخبر'' أن البوادر الأولى للكارثة بدأت تظهر بوضوح منذ حوالي
أسبوع، عندما لاحظوا تغيّرا في لون الماء الشروب لديهم واختلاطه بالتراب
قبل أن يلاحظوا انزلاقات خفيفة في الجهة العليا المطلة على ولاية البويرة،
إلا أنهم لم يستشعروا الخطر، ومنذ يوم الثلاثاء الماضي بدأوا يسمعون أصواتا
تنبعث من تحت الأرض بعضها يشبه صوت المياه، وفي تلك الآونة بالذات، يقول
أحد المواطنين القاطنين بمحاذاة جسر صغير في قرية آيت عطا الله على بعد
حوالي 3 كيلومترات من مكان الانفجار، إنه قرر إخلاء بيته، تحسبا لما قد
يحدث، كما قرر سكان القرية تشكيل فرق يقظة ومتابعة.
الأوحال تتحرك
ويضيف
محدثنا قائلا: ''في منتصف ليلة الخميس سمع صوت قوي أشبه بالانفجار، وبدأت
أطنان من الأوحال تتحرك باتجاه القرية جارفة معها أشجارا وأحجارا ووصل
الأمر إلى انهيار المذبح البلدي بمركز البلدية عن آخره على بعد 3 كيلومترات
من مكان انفجار المياه الجوفية، وذلك بفعل كثافة الأوحال وقوة جرفها،
وسارع المواطنون المكلفون بالمراقبة، في تلك الليلة، إلى توجيه نداءات
للسكان للخروج من منازلهم''. وما زاد من هول سكان هذه القرية في تلك
الليلة، كما يقولون، هو انسداد الجسر المتواجد على الطريق الرئيسي للقرية
بفعل الأشجار الكبيرة التي جرفتها الأوحال، وتم إجلاء 70 عائلة في الحين
نحو أقاربها ومعارفها، حيث لا تزال على نفس الحال إلى اليوم.
ولا يمكن
لمن لم يزر موقع الانفجار أو الانجراف أن يتصور حجم ما حدث، حيث انشقت
الأرض بعرض عشرات الأمتار وبدأت الأوحال تصب على مسافة 3 كيلومترات،
''وأعترف أنني لم أكن لأبلغ موقع الانفجار لولا صديقي كريم الذي رافقني
بسيارته عبر طريق ملتو ومسالك وعرة وسط الغابات والأحراش في منطقة عانت
الكثير في العاصفة الثلجية التي شهدتها الولاية شهر فيفري الماضي، إذ
تراكمت الثلوج بمرتفعات بلدية إللتن لعدة أشهر، حيث لا تزال بعض البقع
متواجدة إلى اليوم، وهو ما تسبب في تزايد كميات المياه بعد ذوبان مئات
الأطنان من الثلوج في هذه المنطقة المعروفة بوفرة المياه''.
أصوات مخيفة تحت الأرض
أما
سكان قرية آيت عطا الله فقد وجدناهم يواصلون عملية قطع الأشجار التي
جرفتها الأوحال، وذلك لفتح الطريق الذي لم يفتح سوى جزء منه بعد 5 أيام من
الحادثة، نتيجة تراكم الأوحال والأشجار الكبيرة التي أتت معها، كما تسبب ما
حدث أيضا في تعطيل الدراسة بالمؤسسات التربوية الواقعة بمركز بلدية إللتن
منذ الخميس الماضي، قبل أن تستأنف الدراسة أول أمس بالنسبة لأقسام
الامتحانات، في انتظار إجراء خبرة على مدرستين ابتدائيتين للفصل في إمكانية
استئناف الدراسة بهما.
من جهته روى رئيس بلدية إللتن لـ''الخبر'' أنه
سمع أياما قليلة قبل حدوث الكارثة كل أنواع الأصوات تحت الأرض، وأضاف أنه
كان يستشعر الخطر إلا أنه لم يكن يتصور ما سيحدث. وعن مخلفات الظاهرة، أكد
نفس المسؤول على أن بلديته كادت في وقت ما، غداة وقوع الكارثة، تنقسم إلى
جزئين بفعل انسداد أحد الجسور لولا سائق الجرافة الذي غامر بحياته ونزل
أسفل الجسر وتمكن من انتزاع بعض الأشجار لتمكين الأوحال من المرور. ويضيف
أن المشكل الحقيقي حاليا يكمن في ندرة الماء الشروب جراء إتلاف ما لا يقل
عن 17 منبعا طبيعيا كانت تتمون منها قرى المنطقة، علاوة على إتلاف المنبع
الرئيسي الذي كان يتموّن منه سكان مركز البلدية، حيث يتم تموينهم حاليا عن
طريق صهاريج قدمتها البلديات المجاورة، وأن إصلاح الوضع سيتطلب وقتا طويلا.
أما عن العائلات التي تم إجلاؤها فقد أكد نفس المسؤول أنها تتواجد حاليا
عند الأقارب والمعارف وسيتم بعد أيام النظر في مدى صلاحية بناياتهم من طرف
المصالح المختصة لتحديد ما إذا كان من الممكن العودة إليها.
وقد تسبب
الانجراف في إتلاف عدة حقول وتخريب أراض زراعية يرجع إليها أصحابها كمصادر
للاسترزاق، وأتلفت كذلك آلاف الأشجار المثمرة أغلبها يعود لعشرات السنين،
وغيرت الظاهرة وجه المنطقة التي بدأت تعود تدريجيا إلى الحياة الطبيعية وسط
ترقبات لما قد يحدث.
الخبراء يحذرون
أكد
رئيس بلدية إللتن لـ''الخبر'' أن خبراء في الجيولوجيا تم إيفادهم من
العاصمة حذروا من تجاهل الظاهرة، وأكدوا على ضرورة اليقظة ومراقبة الوضع،
وأن الأرض لم تستقر بعد، ما يعني أن عودة هيجانها مجددا ليس مستبعدا في كل
وقت، وأوصى الخبراء كذلك بضرورة العمل على إجلاء المواطنين القريبين من
الموقع الذي تصب فيه الأوحال، وأرجعوا ما حدث إلى الكميات الهائلة من
المياه التي تتواجد في جوف الأرض بالمنطقة. وفيما ينتظر إيفاد وفد آخر من
الخبراء إلى المنطقة، ابتداء من نهار اليوم، فإن المواطنين بدأوا يستعيدون
تدريجيا نشاطهم العادي وسط مخاوف من تزايد الظاهرة، حيث لم تستقر الأوضاع
بعد، وما يغذي تخوف هؤلاء هو احتمال عودة الأمطار وبالتالي هبوط كميات أخرى
من الأوحال نحو القرى الواقعة في الجهة السفلى كقرية آيت عطا الله وقرية
آيت عيسى