مضت أمي لربها مضيئةً بعد أن أطفئها العذاب والمرض
مضت مبتسمة بعد ان ابكاها، مضت مرتاحة بعد أن أعياها، شابة بعد ان اشابها سعيدة بعد أن أحزنها، مسرورة بعد همها وغمها،،
مضت وأورثتني البكاء والعويل والنوح والتعب
فكنت كلما اغمض عيني، أرى أمي فأبكي ، وكلما افتح عيني وأرى الحشود مجتمعة للعزاء، ينتابني بعض الاستيعاب بموت أمي فأبكي
عندما ادخلوني للتزود والوداع، لم اكن اعي ما يحصل، فهذي تضمني، وتلك تقبلني، وتلك تبكي علي!، لم أكن أميز الوجوه والاصوات من حولي،فكل ما اسمعه صوت امي، وكل ما اره خيالها،،،
إلى أن أُدخلت عليها ممددة على ذلك الحصير، مكفنة بالبياض، لا ارى منها سوى وجهها الذي أنار المغتسل، فتشبثت بها وقبلتها، وكنت كلما أُسحب أعود مرتمياً
كنت أهدأ فيبكي النساء، فيهدأن النساء فأضج بالبكاء فيبكين معي مجدداً
في تلك الليلة، تلقفتني الأحضان، فمن عناق إلى عناق، احضان فاقت العشرات، لكن جمعها في ضربها لا يساوي ذرة دفئ من حضن الفقيدة
فهي الأم الحنون، المربية الفاضلة، الكريمة السخية، العطوفة الرحيمة، الطيبة الزكية، النبيلة، الشريفة، واجمع ما شئت من صفات حسنة، فكلها تلائم الأم
فلو فتشت عن الأم سوف تعي أن الأم شيئ مقدسا عن كل المذاهب والأديان والشعوب بل والمخلوقات،،
عندما رحلت أمي، أدركت معنى اليتم وهو الألم، وطعمه المر، ولونه الأسود، ورائحته النتنة وصوته النشاز،
فلا مجرة ولا كون يعوض ذلك الكيان، فهي تشقى دون أن تلقى، وتلألئ المنزل بوجودها، وتحسن ولا تكترث بالجزاء،
رحيلها أعمى عيني، فأشرق صباحي مظلما، لا يجد النور، ولا السعادة، فهي فرحتي، وسروري ونور عيني، هي أمي هي أمي هي أمي التي سأظل انتظر لقياها.