يعتبر هواري بومدين من أبرز
رجال السياسة في الجزائر و الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين ،
و رجل وهب نفسه لخدمة الجزائر و لكل العرب أصبح أحد رموز حركة عدم
الانحياز و لعب دورا هاما على الساحة الإفريقية و العربية . و كان أول رئيس
من العالم الثالث تحدث في الأمم المتحدة عن نظام اقتصادي دولي جديد أكثر
عدلا. و هو صاحب المقولة الشهيرة : " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة "...
وكان أول من تحدث باللغة العربية في الأمم المتحدة مخاطبا رؤساء الدول
الكبرى .
هو محمد إبراهيم بوخروبة، المعروف باسم هواري بومدين ، و لد 23 أوت 1932
بدوار : " بني عدي " على بعد بضعة كيلو ميترات غرب مدينة قالمة الواقعة في
الشرق الجزائري ، و توفي في 27 ديسمبر 1978 بالجزائر العاصمة .
تولى هواري بومدين الحكم في الجزائر عن طريق انقلاب عسكري على الرئيس أحمد
بن بلة، هو ثاني رؤساء الجمهورية الجزائرية المستقلة ، تولي السلطة من 19
جوان 1965 ، بعد الرئيس أحمد بن بلة ، إلى وفاته سنة 1978 ، كان في أول
الأمر رئيسا لمجلس الثورة ثم تم انتخابه رئيسا للجمهورية الجزائرية عام
1975 حتى وفاته بتاريخ 27 ديسمبر 1978.
1. إنجازاته:
من أبرز إنجازات الرئيس هواري بومدين نذكر :
أ ) ـ على المستوى الداخلي :
قد شرع هواري بومدين في إعادة بناء الدولة الجزائرية المستقلة من خلال
الثورات الثلاث : الثورة الزراعية ، الثورة الصناعية ، و الثورة الثقافية .
على غرار بعض التجارب في المحور الاشتراكي التي كان معجبا بها .
أولا : في ميدان الزراعة : ( الثورة الزراعية ) :
1. في 8 نوفمبر 1971 أصدر قانون التسيير الذاتي .
2. في 8 نوفمبر 1971 أصدر قانون الثورة الزراعية .
3. في نوفمبر 1971 قام بتأميم الأراضي في نطاق الثورة الزراعية .
4. قام بتوزيع ألاف الهكتارات على الفلاحين الذين كان قد وفر لهم المساكن
من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين ، و قضى على معظم البيوت القصديرية و
الأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون .
5. أمد الفلاحين بكل وسائل و الإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها .
6. كانت الثورة الزراعية قائمة على إستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على
الأراضي الزراعية المتوفرة و ذلك بوقف التصحر و إقامة حواجز كثيفة من
الأشجار ، و هذا ما تجسد في مشروع السد الأخضر ، للفصل بين المناطق الصالحة
للزراعة و قد أوكلت هذه المهمة إلى شباب الخدمة الوطنية .
ثانيا : في ميدان الصناعي : ( الثورة الصناعية) :
1. في ماي 1966 قام بتأميم المناجم .
2. في فيفري 1971 قام بتأميم المحروقات ، و قد أدى تأميم الحروقات إلى
توفير سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية و الزراعية
.
3. إنشاء قطاع عمومي واسع مرتكز على الصناعة الثقيلة وفقا لمبدأ الصناعة
المصنعة ، فظهرت صناعات ضخمة تعد مفخرة للجزائر المستقلة مثل : ( رويبة ،
الحجار ، أرزيو ، سكيكدة ، قسنطينة ...) .
ثالثا : في الميدان الثقافي و الاجتماعي :
1. ديمقراطية التعليم .
2. بناء المدارس و الجامعات .
3. الطب المجاني .
4. جزأرة الإطارات و محاولة تعميم استعمال اللغة الوطنية ( اللغة العربية ).
رابعا : في الميدان السياسة الداخلية :
1. غداة استلامه السلطة لم يقلص هواري بومدين من حجم نفوذ حزب جبهة التحرير
الوطني الحاكم بل استمر هذا الحزب في التحكم في مفاصل الدولة ، و كان
الأساس الذي بموجبه يعين الشخص في أي منصب سياسي أو عسكري هو انتماؤه إلى
حزب جبهة التحرير الوطني .
2. قام هواري بومدين بتأسيس مجلس الثورة ، و هو عبارة عن قيادة جماعية تتخذ
قرارات في الاختيارات الكبرى للجزائر الداخلية و الخارجية ، و في داخل هذا
المجلس اتخذت القرارات المصيرية من قبيل تأميم النفط و المحروقات و
استرجاع الثروات الطبيعية و الباطنية ، و من قبيل تعميم نظام الثورة
الزراعية و انتهاج الاقتصاد الموجه و إشراف الدولة على كل القطاعات
الإنتاجية .
3. بالتوازي مع سياسة التنمية قام هواري بومدين بوضع ركائز الدولة
الجزائرية المستقلة و ذلك من خلال وضع دستور و ميثاق للدولة و ساهمت
القواعد الجماهيرية في إثراء الدستور و الميثاق ، اللذان ساهما في ترتيب
البيت الجزائري و وضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة.
4. لقد عمل هواري بومدين بعد استلامه الحكم على تكريس هيبة الدولة الجزائرية داخليا و خاريجيا .
ب ) ـ على المستوى الخارجي :
1. إستمرار البعد التحرري في السياسة الخاجية منه :
أ ـ الدعم اللامشروط للقضية الفلسطينية .
ب ـ الإشراف على عدة اتفاقيات استقلال و تسوية مشاكل دولية : ( إيران و العراق 1975 ، بانغلاديش و باكستان ) .
ج ـ المشاركة الفعلية في الحروب العربية ـ الإسرائلية 1967 و 1973 .
د ـ مناصرة الشعب الصحراوي في كفاحه من أجل تقرير مصيره .
2. تعاظم وزن الجزائر ديبلوماسيا و احتضانها لعدة مؤتمرات دولية هامة .
3. دور الجزائر في حركة عدم الانحياز منه :
أ ـ إعطاء الحركة انشغالات جديدة تمثلت في المطالبة بنظام اقتصادي عالمي جديد .
ب ـ عقد المؤتمر الرابع لحركة عدم الإنحياز بالجزائر في سنة 1973 .
ج ـ خطاب الرئيس هواري بومدين في الدورة الطارئة لهيئة الأمم المتحدة عام 1974 .
2. من أقواله المأثورة :
من أقوال الرئيس هواري بومدين و المعبرة عن فكره و مواقفه نذكر :
• " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة " .
• " لا وصاية على فلسطين ، لا تفاوض ، لا تطبيع ، و لا تعامل مع العدو ...".
• " بناء دولة لا تزول بزوال الرجال ".
• " إن قارتنا لن تعرف الإستقرار و لن تعرف الهدوء و الإطمئنان لتكريس
جهودها على البناء و التشييد مالم تبعد نهائيا عن أفاقها سائر أشباح
العدوان و التدخلات و ما لم تصف صفوفها من جميع عملاء الاستعمار و صنائع
الإمبريالية بصفة نهائية تجعلنا أخيرا بمأمن من كافة أنواع التدخلات و
التأمر و الخداع ... "
• " هل الأمة العربية مستعدة لبذل الثمن الغالي الذي تتطلبه الحرية ؟ و أن
اليوم الذي يقبل فيه العرب دفع هذا الثمن لهو اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين
...".
• " إن البناء الذي نريده هو بناء دولة قوية ، بناء دولة عصرية ، بناء دولة تبقى و تستمر بعد زوال الأشخاص ...".
3. قالوا عن الرئيس هواري بومدين:
عبد الله بوخروبة ( أخ الرئيس هواري بومدين ) : " لست رجل أعمال كما
يتهمني البعض أنا أب لعشرة أبناء ... بومدين ـ رحمه الله ـ لم يترك لعائلته
أي شيئ ، و الحمد لله إنه كان يعمل للوطن و ليس لجيب إخوته ... ".
علي بوهزيلة ( ابن عمة الرئيس هواري بومدين ) : " بومدين لم يأخذ عطلة في
حياته و المعروف عنه أنه كان يعمل ليل نهار و لم يتمتع بحياته كثيرا ، كان
متواضعا في لباسه و في أكله ...".
سيمون مالي : " قبل أن يموت بومدين بأربع سنوات في ديسمبر من عام 1978
كنت قد سألته و كنت آخذ الشاي معه ، هل فكر في من يستخلفه خاصة و أن
الجزائر مستهدفة ... ابتسم لحظة قبل أن يسر لي قائلا : " الله كبير يا أخي و
عندما يتوفاني إليه ، أظن أن بعض إخواني سيجدون خليفة ممتازا . " فذكرت له
سي عبد القادر مثلا ؟ ذكرت له الاسم الحربي لعبد العزيز بوتفليقة ، الذي
كان ذراعه الأيمن و كاتم أسراره و من معاونيه المقربين ، فأجابني : " لم لا
، إنك تعرفه جيدا و تراه باستمرار في الأمم المتحدة . إنه عنصر ثوري ملتزم
و يعرف كيف يكمل المهمة ، و لقد ساهم كثيرا في جعل الجزائر مكة جميع حركات
التحرر...".
قالوا عنه : "كان رحمه الله ينسى نفسه في العمل و لايتفقد مواعيد الطعام إلا عندما يجوع ...".
قالوا عنه :"كان يسمح للصحفيين بالاقتراب منه للاستماع لما يقول للناس ..."
و ما نختم به هذه الوقفة على أثار الزعيم هواري بومدين ، هو أن بومدين قد
حول الجزائر إلى دولة كلها ورشات ، ثم إلى أمة نموذجية للتنمية ... لقد كان
فعلا رئيسا .