أيام رحلت، أوراق تساقطت، ودعنا معها عظماء كانوا بالأمس بيننا،
نقش التاريخ أسماءهم بأحرف من ذهب.. بن بلة كان أول رئيس لجزائر الحرية
والاستقلال، والشاذلي كان أول من سلم مشعل التعددية والديمقراطية، ومهري
كان الضمير والروح الطيبة لتاريخ الثورة، ووردة رحلت دون أن تغني لنا عيد
الكرامة، وصاحب رائعة لغتنا الجميلة أخذه الموت منا ..
رحل عام 2012 ورحل معه أول رئيس للدولة الجزائرية الرئيس، أحمد بن بلة،
ذات صباح من الحادي عشر من أفريل، عن عمر يناهز 96 عاما، وكان ولا يزال
بن بلة رمزا من رموز تاريخ الثورة الجزائرية ومناهضة الإمبريالية العالمية،
بن بلة لم يكن فقط رجلا من مفجري ثورة التحرير المجيدة، هو أيضا أول رجل
قاد جزائر الحرية بخطى ثابتة بعد استقلال الخامس من جويلية.
وشاء القدر أن يرحل عنا الرجل في جنازة أرادها بوتفليقة أن تكون
رئاسية بما يليق بالرؤساء، وتاريخ الرجل، جنازة حضرها رؤساء دول عديدة، كيف
لا وهو من لقب نفسه في آخر ظهور إعلامي له بأنه هو الفاتح من نوفمر، فيرحل
الرجال ويبقى الأثر.
جاءت بعدها صدمة أخرى عندما أشيع ذات مساء من السادس من أكتوبر
بعد يوم واحد من ذكرى الخامس أكتوبر عن وفاة أبي التعددية والديمقراطية في
الجزائر، وكأن هذا القدر شاء هو الآخر أن يودع الشاذلي على طريقته الخاصة،
الرئيس بن جديد، هذا الرجل الذي أثار في سكوته جدلا واسعا، اختطفه عام 2012 دون أن يرى ويسمع الجدل الذي أحدثته مذكراته، لكن التاريخ يكتب عن عظمة هؤلاء حتى وإن كانوا تحت التراب.
عام 2012 أخذ معه أيضا المجاهد، المخضرم، الأمين العام السابق
لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، عن عمر يناهز 85 عاما بعد
أسابيع من الصراع مع المرض، وكان هذا الرجل الطيب أمينا على حقيقة
التاريخ، واستقرار البلاد، ومن دعاة المصالحة خلال فترة العشرية السوداء
التي اندلعت في الجزائر بعد إلغاء انتخابات 1991 .
ودّعتنا أيضا في عام 2012 وردة كل الجزائريين والعرب ذات مساء من
17 من ماي، وردة الجزائرية التي كانت أحلى أغنية للجزائر خطفها الموت أياما
قبل احتفال الجزائر بخمسينة عيد الاستقلال، كنت تغنين لنا عيد الكرامة،
وها نحن اليوم يا وردة لا نزال نغني لك "مازال واقفين" وهو المقطع الأخير لوردة الجزائريين.
الجزائر أيضا ودعت علماءها، فكانت سنة رحيل عميد اللغويين
بالجزائر الأستاذ محمد فارح، في الثالث من ديسمبر، ودعنا "سيبويه الجزائر"،
فمن من جيل الاستقلال لا يذكر "لغتنا الجميلة" ...
هو عام 2012 رحل أيضا عنا الكثيرون، فقدنا رموزا، لكننا لم نفقد
آثارهم، أخذهم الموت منا لكن بطولاتهم مجدها تاريخ هذا الوطن الغالي ...
كما يستحق في هذا الوطن أن نرثي كل من يحمل في عروقه دم المليون ونصف المليون شهيد .. فيموت الرجال ويبقى النهج والأثر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]