من منا لم يسمع ولا يعرف قصص الغجر الجزائريين أو كما يطلق على تسميتهم بالعامية بأنحاء الغرب الجزائري بالعمريون والتي لا يعرف عنهم سوى كونهم محتالين احترفوا عالم الدجل والكهانة، الشعوذة، قراءة الكف، تلاوة الطلاسم والنصب والإحتيال ولكن الجدير بالذكر هو كونهم مجتمع قبلي بدوي يعيش حياة الترحال غير المستقرة بمناطق سكنية تملئها الفوضى ويغيب فيها سلطان القانون تعشش الأمية في أوساطهم.
سلالتهم إنحدرت من الهند ولا قانون يضبطها فهم يضاهون في حياتهم غجر المكسيك وإسبانيا الذين تروي العديد من
الدراسات الأكاديمية والكتب التاريخية على أن السلالة البشرية للغجر تعود للقرون الغابرة ينحدرون من الأصول الهندية، كما تروي أغلب الروايات التاريخية ثم انتقلوا إلى أرض اليونان ليتوسعوا في باقي أنحاء أوربا، لتنبض شعرية نسبهم في مملكة إسبانيا وأرض المكسيك، ويتحول هذا العرق البشري إلى أسطورة لم تفك شفرات طقوسها ونظام عيشها إلى حد الساعة حيث اشتهر تعريفهم حتى في الأكاديميات بأنهم جنس رحالة يعيشون في شكل قبلي، يمتهنون التسول والكهانة ولا وجود لأية قيمة اجتماعية عندهم، وجودهم في أوربا لم يقصي وجودهم بالجزائر فقد تمكنوا من الوصول إليها عن طريق رحلاتهم، فمن بين أشهر القبائل الغجرية المعروفة في الجزائر بني هجرس وبني عداس الجزائرية على غرار تجمعات منطقة الحاسي بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب مثل ولاية غليزان، تيارت وسعيدة وحتى الجنوب الجزائري ولعل المتتبع لبعض الشوارع الجزائرية يكتشف انتشار العمريون من خلال ما يخترعونه من بدع وطلاسيم يحاولون أن يملاؤوا بها عقول الناس رغبة في الحصول على المال والإسترزاق ولعل الواقف بالقرب من الحديقة العمومية لوهران والمتواجدة بالقرب من سوق المدينة الجديدة يلمح أولئك الغجر من فئة النساء اللواتي تمركزن هناك لاصطياد العامة والخاصة من المارة بادعاء قراءة الطالع والكف والراغب في الإقتراب منهن هو دفع المال كرها أو طوعا لمعرفة الماضي والمستقبل، كما يزعمن والويل للصحافة والأمن إذ حاولوا الحديث معهن، فالأمر أشبه من المستحيل، الأمر الذي يعطي صفة العدوانية والشراسة لتلك الفئة.
عالما أقل ما يقال عنه أنه خارج عن دائرة العصر
وكأن التمدن والإستقلال لم يعرف طريقه إليه، أين توقف الزمن عند خريطة
هاته الفئة من المجتمع في الوقت الذي لم نسمع فيه، إلا القليل عن هذه
العينة من المجتمع الجزائري مما ردده أجدادنا وكبار السن؟ أناس
لا يعرفون الكتابة والقراءة ولا يفهمون معنى وسائل الاتصال، مصدر رزقهم
الكهانة والعرافة في ظل إدعاء قراءة الطالع وتصفح بعض صفحات حياة الناس،
ووجه براءتهم التسول وطلب نيل ما بأيدي الغير، يرمون وراء ظهورهم كل ظروف
حياة المجتمع المدني العادي، حيث يظهر للعيان جليا أنهم ينبذون المجتمع
كما ينبذهم جراء القصص التي يرويها العامة والخاصة عن الغجر حول امتهانهم
أساليب التحايل والنصب والتي خلقت هاجسا للتواصل معهم، بل قننت العملية
وجعلت التعامل معهم من بعيد لبعيد وسط حذر شديد.
وعدة سيدي خليفة بسعيدة مناسبة للإلتقاء والتعارف بين قبائل الغجر
وفرصة لاختيار الزوجات.
يرتحلون من الحدود إلى الحدود، حيث لا وجود
لحد جغرافي لهم اليوم هنا وغدا هناك، يعيشون على بيع المواشي عند
ارتفاع أسعارها وشرائها عند الإنخفاض ولا يهم المشتري قد يكون من المغرب،
ليبيا، تونس، موريطانيا والمالي ومن داخل الوطن وقد استطاع العديد من
القبائل العمرية الهجرة عن طريق الحدود نحو الدول المذكورة آنفا والإستوطان بالمناطق النائية والصحراوية هناك وبإمكانهم الدخول إلى أرض
الوطن متى شاؤوا حتى ولو كونهم يقومون بالعملية بطريقة غير شرعية،
الذكر من الغجر فور
بلوغه سقف سن السابعة عشر عاما يتمكن من اقتياد النسوة إلى الأسواق
بصفته رجلا ناضجا، دون أن تحدد طبيعة عمل النساء في السوق وأما الفتيات
فيطلقن العزوبية في سن مبكرة لايتعدى الثالثة عشر،
وصفقات الزواج المبكر تتم من خلال اتفاق بين الوالدين
، وعن إمكانية تزويج الصبي لفتاة
خارج محيط الغجري استحالة تأقلم فتاة حضرية مع طباع حياة بدوية،
مقابل رفض الصبية بدورها لحياة البنايات الإسمنتية والحديدية، ،
هم مسلمون يصومون شهر رمضان ويقيمون الصلاة، والغريب أن موتاهم يوجهون إلى
أقرب المساجد، ويتركون هناك من دون تشييع جنائزهم ولا حتى الوقوف على
دفنهم ومواراتهم التراب وتوديعهم؟ وتجدر الإشارة إلى افتقاد هؤلاء لوثائق
هوية، وهي مأساة تمتد إلى جوانب أخرى، حيث كثيرا ما يضطرون إلى نقل
مرضاهم إلى المستشفيات وربما تنتهي القضية بوفاة، فتكون الطامة أكبر، حيث
يصعب تسجيل العملية إداريا وإخراج الميت للدفن،
وأمام سخط بعض المواطنين ومواجهة الغجر لحياتهم الأشبه بالخرافة، يبني
الواقع جدارا من العزلة الضارب بالقساوة، فالسكان يغلقون الأبواب في وجوه
أولئك الغجر والمتشددون تدينا يلزمون أنفسهم بالحذرالشديد من سحر وتعاويذ
قد تعصف بهم،
قصص ساهمت بطريقة مباشرة في تكريس مبدأ نبذهم من قبل
المجتمع، كما تساهم في تشكيل مزيد من الكراهية والخوف الشديد من أفرادها.
يظل موضوع الغجر أسير الغموض والإبهام، ويتسم بالأساس برفض الإندماج
الاجتماعي من ناحية، واستغلال المجتمع من ناحية ثانية، والإشكال الأكبر
بالنسبة لهذه الشريحة نلمسه في وضعية التعليم ومصير الناشئة من ناحية،
ووضعية المرأة من ناحية أخرى، إذ لا تعليم ولا تكوين مقابل الأمية،
الشعوذة والسحر. وفي هذا السياق نادى العديد من أساتذة علم الاجتماع
والعارفين إلى دراسة هذا النموذج من الحياة البشرية الاجتماعية
بالجزائرية دراسة أكاديمية محضى لفك شفراتها ورموزها ومعرفة طقوس وأساليب
عيشهم.