مقدمة
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
أما بعد ،
فهذه وريقات معطرة بكلمات تعين الأريب على حسن التعامل مع الطفل العنيد ،
وقد اختصرناها غاية الاختصار مع الحرص على وضوح المعلومة وإيضاح الفكرة،
واخترنا فيها منهجا متميزا، يختلف عن جُلّ الكتب المتوافرة في الأسواق
والتي تعالج هذه المشكلة، فهي إنما وفدت إلينا من بلاد لم تعرف الإسلام
ولم تتذوق حلاوته، فعالجوا المشكلات بمعزل عن الروح والدوافع الأخروية،
فمن حاول الأخذ منها يشعر بالحيرة ويعجز عن استيعاب تلك الأساليب التي لا
تقف على أرضنا ولا تتكلم لغتنا!
*
لذلك فقد حرصت تمام الحرص على عدم النقل من أي مرجع من هذه المراجع بدون
تعديل وتمحيص، وغالبا ما أحاول قراءة الفكرة واستيعابها ثم إعادة الصياغة
بأسلوبي الخاص بما يتناسب مع واقعنا و ومجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، وإذا
اضطررت لنقل عبارة للاستشهاد فسوف أشير إلى ذلك في الهامش إن شاء الله
تعالى.
إن الحديث عن الطفل العنيد يجمع بين اللذة وبين
المشقة ، في مزيج عجيب غريب، فالعناد عند الأطفال يعد مرحلة طبيعية وتعبير
عن الذات والاستقلال وصرخة حرية، ولكنه في نفس الوقت مشكلة لو تعاملنا
معها بأسلوب غير لائق قد يتسبب هذا في استمرار هذه الفترة أو اتصاف
الطفلـ/ـة ، فالشابـ/ ـة ، فالرجل والمرأة بالعناد في جميع المراحل مما
يؤثر على نجاحه أو يؤثر على المجتمع كله في المستقبل.
والطفل العنيد هو الذي يتسم بإردة قوية، أو الذي
يصعب التعامل معه، سواء كان وُلد هكذا (طبيعة خلقية) أو اكتسب هذه الصفة
من المجتمع لظروف معينة، أو كان مصابا بفقدان التركيز الناجم عن النشاط
المفرط أو مشاكل عصبية أخرى.
فإذا كان الطفل غير مصاب بمرض أو بمشكلة نفسية
معينة وكانت بيئته ذات طبيعة سوية، فنحن أمام طفل حاد الذكاء يفرض سيطرته
على الكبار وسوقهم بأساليب عديدة نحو تنفيذ رغباته.
مع ملاحظة أن الطفل ذو الذكاء المتوسط قد يتحول إلى طفل عنيد من الطراز الأول بسبب التدليل الزائد أو القسوة الزائدة.
كما أن هذا المبحث يستفيد منه أيضا من لا يعاني من
عناد الأطفال بمعرفة أنه يسلك الطريق الصحيح في التعامل مع الطفل، كذلك من
ناحية الأنشطة التي سنوردها لتنمية ذكاء الأطفال وتوجيه نشاطهم إلى الطريق
السليم.
سارة بنت محمد حسن
* الدوافع والمحفزات وعلاقتها بالطفل العنيد
إن الدوافع هي الرغبات الكامنة في الإنسان والتي
يحتاج دائما إلى إشباعها، ويقسم علماء علم النفس الغربيين الدوافع إلى
فطرية ومكتسبة، والفطرية هي ما يطلبها الشخص بفطرته دون أن يكتسبها من
المجتمع مثل الطعام والشراب والإخراج، والمكتسبة هي التي يستشعر احتياجه
لها من خلال البيئة المحيطة به ، فيشعر بالحاجة للأصدقاء والانتماء
والتملك ..الخ.
* وثمت دافع آخر
يغفل عنه علماء النفس الغربيون وهو الحاجة إلى إشباع الجانب الروحي
بالعبادة والطاعات التي بها تسمو النفس ويرتاح القلب. ويذهب بعض علماء
النفس إلى أن الجانب الروحي لا يستثار للمطالبة بإشباعه إلى قرب البلوغ،
وسواء كان هذا صحيحا أو لا، فنحن نرى أن نشأة الطفل على حب الله وحب
الطاعة تختلف حتما عن الانتظار حتى قرب البلوغ لكي نشبع هذه الحاجة.
وعند تقسيم الدوافع إلى فطرية ومكتسبة فقط نجد أن
الوسائل التربوية تنحصر في التحفيز بالماديات ويتكل المرء على نفسه وفعله
فيُكال إلى نفسه فبئس الخسارة.
والطفل العنيد لا تمثل له الدوافع الفطرية
والمكتسبة أهمية تذكر، فإذا حفزته بالعطاء أو الحرمان يبدو وكأنه لا يتأثر
ولا تمثل له هذه الأشياء أمرا هاما، ففي حين يسارع الأطفال لإرضاء الكبار
ليحصلوا على رضاهم وتقديرهم ، أو يخشى الأطفال الحرمان من قطعة الحلوى إذا
ما أتوا بتصرفات سيئة، نجد الطفل العنيد يتصرف كأن هذه الأشياء ثانوية في
حياته لا يلق لها بالا ولا تشغل في فراغ نفسه أي أهمية. ومن هنا اكتسب هذا
الطفل صفة العناد وصار التعامل معه مشكلة، فالتهديد والوعيد ال يؤثران ،
والضرب يزيده تمسكا برأيه وخصوصا مع الشعور بالقهر، والقسوة تجعله يزداد
عناد ، والدلال لا يصلح العلاقة معه، والاغراء بالمحفزات لا يهمه.
* ما يتميز به الطفل العنيد :
1- القدرة على
الاحتمال بحيث لا تؤثر فيه الإغراءات التي تؤثر غالبا في أمثاله من
الأطفال، كذلك لا يمكن تهديده بسهولة حيث أنه يجعل الكبار في حالة عجز
وانفعال فيصدر عنهم تهديدات جوفاء يعرف الطفل العنيد أنها جوفاء وغير
ممكنة التحقيق.
2- القدرة على وضع
الأهل في الاختبار، فعندما يفقدهم السيطرة على انفعالهم ويبدأوا في اطلاق
التهديدات نجد الطفل العنيد ثابت الجنان يقترح اقتراحات مجنونة وغير
منطقية، فإذا هددت الأم طفلها ذا الأربع سنوات بالترك وحده في المنزل تجده
ثابت الجنان يعلن في بساطة أن هذه هي بعينها رغبته مما يضع الأم في حرج
فلا هي قادرة على تنفيذ التهديد وولا هي قادرة على التصرف في الموقف بما
يرفع عنها الحرج.
3- الرغبة في السيطرة ، فيرغب في التحكم في حياته وتصرفاته أكثر من الطفل العادي، حتى لو أدت هذه السيطرة للضرر أو الأذى.
4- الانتهازية الاجتماعية فلدى هؤلاء الأطفال ذكاء اجتماعي حاد يساعدهم على ملاحظة ردود الأفعال وتوقعها واستغلالها
5- لا يرون لأنفسهم دورا في المشاكل، وهو شعور بالاضطهاد الدائم فهم في نظر أنفسهم برآء والمشاكل يفتعلها من حولهم .
6- القدرة على تحمل
قدر كبير من السلبية: حيث يستطيع هذا الطفل أن يتحمل عاصفة من الغضب دون
أن تهتز له شعرة، ولن نبالغ لو قلنا أنهم يستمتعون بذلك ويشعرون بالسيطرة
على الكبار عندما يستفزونهم فيدفعونهم دفعا لفقدان أعصابهم والصراخ، وفي
حين يظل الكبار في حالة غضب، تتحسن صحة هؤلاء الأطفال ببلوغ مآربهم
والسيطرة على انفعالات الكبار وتحريكها بحيث يبدو للناظر أن الشخص الكبير
لعبة في يد الطفل يتحكم في انفعالاته.
7- الثقة في قدرته
على الحصول على ما يرغب بأساليب الضغط المروعة التي يمارسها ضد الأهل من
بكاء بصوت عال، أو ممارسة العناد إلى أقصى حدوده، أو إشعارهم بالذنب ..الخ
تلك المهارت التي يمارسها هذا الطفل العنيد بأسلوب قوي.
8- إذا كنتِ ممن
يعاني مع طفل عنيد ولم تجدي صفاته في النقاط السابقة فقد يكون طفلك من
النوع الجامد غير المرن الذي لا يتغير، وهذا النوع تنقصه مهارات السلوك
ويحتاج للتعلم، فإنه ما أن يتعرض لموقف غير معتاد حتى ينفجر قلقله بشدة،
ولا تعرف الأم كيف تتصرف معه مما يتسبب في زيادة موقف العناد.
وهذه النقاط في غاية الأهمية لأنه بمعرفة ما يهتم
به هؤلاء الأطفال نعرف كيف نتعامل معهم، وحديث علماء الغرب عن الطفل
العنيد يدور حول الحفز السلبي، لدافع (السيطرة)، وهو ما ستناوله إن شاء
الله تعالى بالإضافة إلى الحافز الغائب[1] عندهم وهو الحافز الأخروي
وكيفية استخدامه مع الطفل العنيد.
يتبع