من هم التوارق ؟
الطوارق هم قبائل رحل ينحدرون من أصول بربرية في منطقة شمال أفريقيا.
وقد استوطن الطوارق لمئات السنين منطقة الساحل حيث تجوب قوافلهم التجارية
منطقة الصحراء الكبرى بهدف الاتجار في التمور والعطور والتوابل والعبيد.
وعادة ما تصل درجة الحرارة في منطقة الصحراء الكبرى خلال فصل الصيف إلى 50
درجة مئوية بينما تهب عواصف تسمى "الهارمتان" خلال فصل الشتاء فيعلو غبار
كثيف الأفق مما يؤدي إلى حجب أشعة الشمس لأيام.
وبعد رحيل الاستعمار الفرنسي من منطقة غرب أفريقيا ورسم حدود جديدة في
المنطقة، وجد الطوارق أنفسهم مشتتين بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو
الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وليبيا والجزائر إلى الشمال.
يتحدث الطوارق لغة مشتركة تُسمى اللغة الطرقية، ولهم ديانة واحدة إذ اعتنقوا الإسلام منذ القرن السادس عشر الميلادي.
ويُعرف الطوارق باسم رجال الصحراء الزرق وذلك بسبب ملابسهم ذات اللون النيلي وعمائمهم التي يستخدمونها أيضا لتغطية أفواههم.
ويحرص الطوارق على احتساء الشاي بصفته عادة اجتماعية لها طقوسها الخاصة بها
إذ يتناولون كؤوس الشاي في مجموعات ثلاث ثلاث ويكون الشاي محلى بطعم
النعناع.
تعيش قبائل الطوارق ايضا في بعض ولايات الجنوب الجزائري من الصحراء
الجزائرية، وتختلف عادات الطوارق من ولاية إلى أخرى، فالطوارق في ولايتي
إليزي وجانت تختلف عن نظيرتها لدى طوارق تمنراست وعين قزام بأقصى الجنوب
الجزائري، حيث تكون أقرب إلى عادات وتقاليد الطوارق في مالي والنيجر
وليبيا، وهي الدول التي تنتشر فيها قبائل الطوارق. حيث يقدر عددهم بنحو 500
ألف نسمة، بينهم 100 ألف في الجزائر حسب العيد شيتر مدير الثقافة بولاية
إليزي في حديثه لنا عن حضارة الطوارق، ينتشرون في ولايات إليزي، جانت،
تمنراست، الهقار، حيث حضارة الطاسيلي العريقة، التي تعود حسب مدير الثقافة
شيتر إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد أظهرا الرسومات الطاسيلية على
صخور الهقار العلاقة بين حضارة الطوارق وحضارة الطاسيلي، حيث حضارة الإنسان
الصحراوي الأول.
*لغة التوارق:
قلنا يتكلم الطوارق لغة خاصة بهم، تُسمى اللغة الطرقية، وهي مزيج من لغة
السواحلية واللغات الأفريقية الموجودة في دول الساحل الأفريقي، تتحدث بها
جميع قبائل الطوارق حيثما وجدوا، وتُكتب بحرف تيفناغ الذي تُكتب به لغة
الأمازيغ.
*اللون الأزرق رمز حرية الطوارق:
يُطلق على الرجل الطرقي باللغة الطرقية ( إيموهاك )، ويعني ( الرجل الحر )،
وقد عبر الطوارق عن حريتهم في لباسهم الأزرق كلون السماء، دلالة على رحابة
الحرية لدى الطوارق كرحابة السماء لأن الرجل الطرقي يعشق الحرية، كما
حدثنا أعيان طوارق إليزي، وقـــد أكسبهم لباسهم الأزرق اســما آخر ( الرجل
الأزرق ). غير أننا لاحظنا طوارق جانت يرتدون ملابس بيضاء اللـون، وفوقها
مئزر أسود مفتوح الجوانب، وكانت هذه أولى التمايزات لدى طوارق جانت، حيث
طبيعة هذه الولاية صخور غرانيتية سوداء اللون، فكان الأسود رمز صخورها،
والأبيض العاكس للضوء، فيخفف عنهم الحرارة
اللثام التارقي :
يضع رجال الطوارق دون النساء لثاما، يبلغ طوله اثني عشر مترا من القماش
الأبيض الرقيق، يستر به الرجل الطرقي وجهه ما عدا العينين، ويلف جزءا كبيرا
منه على رأسه أشبه بالعمامة. وتبين أن للثام الرجل الطرقي عدة وظائف كما
أوضحا قداري الشيخ أحد الأعيان:
"1- يغطي الرأس من حرارة شمس الصحراء المرتفعة.
2- يستر فمه تعبيرا عن التأدب والاحتشام أمام الأقارب، خاصة أمام حماته، لاعتقاد الطوارق أن الفم يخرج منه العيب، لذا ينبغي تغطيته.
3- لحماية الرجل الطرقي من الزوابع الرملية المُحتملة في الصحراء.
4- يغطي العينين بجزء يسحبه من تحت العمامة، في حالتين، أحداهما لوقاية
عينيه من رمل الزوابع، والثانية، ليمنع نفسه من النظر إلى منظر غير لائق.
5-والوظيفة الأخيرة للثام الرجل الطرقي، يكون له كفنا إذا داهمته المنية في الصحراء.
حكاية اللثام الطرقي :
اللافت عند الطوارق، أن النساء سافرات الوجه، بينما الرجال يتلثمون، وتعود
قصة اللثام حسبما رواها لنا عدد من مختلف أعيان قبائل الطوارق، اتفقوا على
روايتها، لتبدو جزءا من تاريخهم المشترك.
وهي أن غزاة هاجموا ذات يوم القبائل الطرقية، ونهبوا ماشيتهم، وأرزاقهم،
وأسروا بعض رجالهم. فثارت النساء الطرقيات أيما ثورة في وجوه رجالهم
الجبناء المهزومين، فأخذت النسوة سلاح الرجال من سيوف وتروس، وامتطين
المهاري، وتعقبن الغزاة، ولحقن بهم، ودارت معركة طاحنة بين الطرفين، انتصرت
فيها نساء الطوارق، واسترددن ما نهبه الغزاة، واستولين على ماكان معهم،
وفكوا أسر رجالهم، وعادت النسوة بالغنائم إلى شيخ شيوخ قبائل الطوارق، وقد
حكم الشيخ لهن بريادة وقيادة شؤون العائلة، بأن تكون المرأة هي الرقم الأول
في العائلة، وحكم على الرجال بستر وجوههم كتعبير عن عار هزيمتهم "
غير أن رجال طوارق جانت وإليزي اعتبروا الحكاية من الأساطير الشعبية،
وعارية عن الصحة، وأوضحوا أن مكانة المرأة المرموقة في المجتمع الطرقي،
تعود إلى أسباب موضوعية، وهي السفر الدائم للرجل الطرقي، وغيابه بالأشهر
وربما أعوام في ترحاله لكسب العيش مع القوافل مابين مالي والنيجر وليبيا
والسودان، لذا أوكلت إدارة شئون العائلة للمرأة باعتبارها مستقرة دوما في
البيت.
مكانة المرأة في المجتمع التارقي :
تتمتع المرأة الطرقية بمكانة مرموقة في المجتمع الطرقي، حيث يعود لها الرأي
الأول والأخير في تقرير شئون العائلة، كما لا تُرغم على زواج لا ترغبه، بل
تأتي موافقتها على الزوج قبل أية موافقة أخرى من العائلة، فهي صاحبة
القرار في اختيار شريك حياتها.
غير أن دخول الإسلام لأفريقيا، وتمدن المجتمع الطرقي أسوة بالمجتمع
الجزائري، ودخول أفراده في وظائف الدولة، جعلت الرجال مستقرين، مما انعكس
على مكانة المرأة، وأخذت تتراجع نسبيا، وحسب تصريحات نساء طرقيات، أصبحت
المرأة الطرقية تسير وفق إرادة زوجها، وتطيعه، وفق الشريعة الإسلامية،
بينما نساء الطوارق في الهقار وتمنراست لا زلن يتمتعن بمكانتهن الأولى،
فلهن الكلمة الأولى.
ويعتقد المؤرخون أن مكانة المرأة المميزة في المجتمع الطرقي، هي من مظاهر
العصر الأمومي، حيث كانت المرأة سيدة العائلة كمكانة الرجل حاليا في
العائلة.
*التركيب الاجتماعي في المجتمع الطرقي :
يتكون المجتمع الطرقي من عشائر وقبائل، يرأسها الشيوخ من الأعيان عادة، مثل
الشيخ هامود، وهو أقوى شيوخ الطوارق، وله جيش من جميع أبناء عشائر وقبائل
الطوارق، ويأتي بعده الشيخ إبراهيم، وهكذا تُصنف مكانة الشيوخ وفق ما تملك
أيديهم من القوة.
وتنقسم العشيرة، وهي أساس تركيب المجتمع الطرقي، حسبما أوضح قداري الشيخ أحد أعيان الطوارق
2- الزواج عند الطوارق:
بعد تعارف الشاب على الشابة، يسألها إذا كانت تقبل به زوجا، فإن وافقت،
يقوم أهل الشاب بطلب يد البنت من أهلها، ويعطي والد البنت موافقته بعد
موافقة ابنته، على أن تُعلنها للشاب أمام والدتها، التي تبلغ الوالد
بالموافقة، ثم تأتي
3- ترتيبات الزواج.
يقول الشيخ صالح السيكاوي أحد أعيان الطوارق " يُقدم المهر حسب التركيب
الاجتماعي للطوارق، فالأعيان يقدمون سبع نياق وبعير أو خمس وعشرين شاة،
فيما يقدم عامة الطوارق بعيرا أو بعيرين وعلى الأكثر ثلاثة أباعر، حسب
المستوى المادي. وهذه النياق أو الأبعرة أو الشياه تُذبح بالعرس، الذي يكون
سبعة أيام عند الأعيان، وثلاثة أيام لدى العامة.
وقديما كان مهر المرأة الطرقية ثمانين نخلة، وبستان النخيل ملكٌ لها، تورثه
لبناتها فقط، ولا يُباع ولا يُقسم ولا يُشترى. ومع تمدن المجتمع الطرقي،
وانخفاض مستوى المعيشة، تراجعت العادات القديمة، كما يقول الشيخ صالح
السكاوي، وأصبح المهر يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دينار جزائري،
تُعادل ( 50 و 100) دولار. مع ناقة أو ناقتين تُذبح للمدعوين في العرس، وقد
اُختزل إلى ثلاثة أيام أقصى حد، حتى لدى الأعيان. واستبد لت المرأة
الطرقية الحلي الفضية بالحلي الذهبية.
الأسرة الترقية الجديدة:
يُزفُ العروسان إلى مضارب أهل العروس، حيث يُجهز أهل العروس خيمة خاصة
للعريسين، وتبقى معهم إلى أن تُنجب الولد الأول، سواء كان المولود ذكرا أم
أنثى، المهم الإنجاب، ويترتب عليه أن تقوم بغزل بنسج خيمتها بيدها، وتنفصل
عن أهلها بعد نحو عامين على الأقل، لتنتقل إلى مضارب زوجها، بزفة جديدة،
وذبح النياق، ويعطونها أهل زوجها بعض الأثاث، لتؤثث خيمتها به بما
احضرته معها من عند أهلها، أفرشة وسائد،وغيرها. لتستقر العائلة الجديدة،
بالزوجين والطفل البكر، وتنجب المرأة الطرقية وقد يصل عدد الأبناء ثمانية
على الأقل.
ويتزاوج الطوارق فيما بينهم، من القبائل المنتشرة في ليبيا والنيجر ومالي
والجزائر. ويحق للمرأة الطرقية أن تتزوج من خارج الطوارق لو رغبت بذلك.
و لون الخيمة تحدد ايم القبيلة الطرقية
*أشراف التوارق:
هؤلاء الأشراف أو ( الشْرفة) حسب تعبير قداري الشيخ أحد أعيان الطوارق،
ينحدرون من سلالة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفاطمة الزهراء بنت
النبي محمد عليه الصلاة والسلام، جاؤوا إلى المغرب قبل قرون، ودخلو الجنوب
الجزائري، حيث عاشوا بين قبائل الطوارق، ويُعرفون بقبيلة( فوراس) الممتدة
إلى المغرب.
وقبيلة فوراس ( الأشراف) لها نفس عادات الطوارق، باستثناء عادات الزواج،
فلا يطلبون مهرا لابنتهم، ويجهزها أهلها للعريس الذي يُقدم هدية ناقة واحدة
أو بعير تُذبح في العرس مع جملة الذبائح التي يقدمها أهل العروس
للمدعوين.ويترتب عن ذلك في حالة الطلاق، تأخذ المرأة الأطفال، ولا يحق
للزوج المطالبة بهم، وإن تزوجت المرأة ثانية، تبقى حضانة الأطفال لأهلها
الأشراف.
*الحرفيون عند الطوارق:
حسب البيئة الصحراوية هي أنواع الحرف، وقد توارثها الطوارق عن الأجداد كما
يقول الحرفي ليزاوي إسماعيل، المختص في صناعة السيوف، والسكاكين الخاصة
بذبح الأباعر والشياه في الأعياد والأعراس. فيما تحدث أخوه ليزاوي وانتو
المختص في صناعة الحلي الفضية الطرقية، من خواتم وأساور وأقراط، وعقود، لها
زخرفة مميزة بالشكل المثلثي، ولا يعرف الطوارق سبب الزخرفة بهذا الشكل
الهندسي المثلث.وهي عادة من اختصاص الرجال.
ومن الحرف الأخرى، صنع الخيم الطرقية المصنوعة من جلد الأوري، وتلائم طبيعة
الصحراء حسب رأي الطوارق، إلى جانب صناعة قفاف الحلفاء، والوسائد، والبسط،
وتقوم المرأة الطرقية بهذه الحرف.
وكما يُقال " الشعر ديوان العرب " فللطوارق ديوانهم أيضا، يحكي مفاخرهم،
معاناتهم، قصص الحب بينهم، فالشاعر الطرقي عثمان العثمان أنشد شعرا باللغة
الطرقية، ترجمه صديقه لادي حمدان، تحدث عن مشقة الأسفار بالصحراء وحيدا،
والحنين يلفه للأهل والأحبة، وخاطب بعيره أن يوصله لحبيبته، فقال البعير
له: سأوصلك لآخر الدنيا إذا لم تنكسر ساقي.