الطبيعة المعمارية للمدينة :
لقد اشتهرت بوسعادة مثل بقية المدن الجزائرية التاريخية بفنون العمارة
الإسلامية، وشهدت فيها المساجد والبناءات العمرانية نموا ملحوظا، بل وبرزت
من خلال هذا العمران أهمية الروح الإسلامية والطراز الهندسي الفاخر، الذي
تميزت به مساجد بوسعادة، كما هو حال مسجد زاوية الهامل ذي الطراز المعماري
الرائع،ومسجد النخلة والمسجد العتيق الذي بناه الشيخ العالم سيدي ثامر. وقد
استعمل البناءون البوسعاديون في عمارتهم وسائل طبيعية كالنخيل والعرعار
الذي كان ينمو بجبال المصمودي بجبل امساعد، التي كانت تعتبر الثروة
الطبيعية الهائلة التي حفت الثورة التحريرية وضمنت الحماية للمجاهدين نظرا
لكثافة أشجارها ومسالكها الوعرة، وعليه فقد وظف معماريو بوسعادة ما لديهم
توظيفا موفقا في بناء المساجد التي تقدم النموذج الأمثل في العمارة والبناء
الإسلامي بفنونه وزخارفه وطرازه الرائعة، ناهيك عن صناعة الوعي عبر العلوم
وفنون التحصيل المعرفي الذي تميزت به بوسعادة عبر تاريخها المجيد، ولا
تزال بهذا الصدد مدارس القرآن والزوايا معالما دينية وحضارية وفكرية تشع
على المنطقة بعلومها ورجالها، ولا تزال الهامل غارقة في متاهة الزمن وفية
لتدريس القرآن المتواصل على مر الأيام منذ تأسيس هذه الهيئة قبل الثورة
التحريرية.
قصة الحروز الفضية والحروز الجلدية
لمدينة بوسعادة عالمها الخاص، كرائحة التراث وعبق الماضي والسيوف والبرانس،
الفضة والذهب وحلي العرس وهدايا تذكارية لا تنسى. ولا شك أن ''الحلية -
الحرز'' تشكل لغزا بين حليّ هذه الواحة، وهي التي تضطلع بوظيفتين، وظيفة
واقية من الأمراض ووظيفة جمالية، وأن الطلسم ذا العلبة الفضية هو في الواقع
وقبل كل شيء مجمع لآيات قرآنية يفترض أنها تبعد كل العناصر المرضية وأولها
الشياطين. ففي مجتمع تقليدي محافظ مازالت الأداة التي تبعد الشيطان عن
الناس هي علاج واق يجله الناس ويقدرونه، لتعلقه بالمحتوى، أما بخصوص الحاوي
''العلبة'' فإنه إذا كانت العلبة صغيرة مصنوعة من الفضة المنحوتة فهو يزيد
من جمال الشخص الذي يحمله، وأن الحلية التي تحصن الإنسان غالبا ما يكون
حجمها ''4 سم في 3 سم''، فيلبسها المحصن في غالب الأحيان من سلسلة فضية
جميلة، وهو ما يزيد حاملها جمالا وزينة. وأما علبة الجلد الأحمر
''فيلالي''، فما هي إلا رد على صندوق الفضة الصغير، وهما متشابهان في
الواقع، غير أن العادة جرت بين سكان الواحة على استعمال حجاب الفضة أفضل من
استعمال تميمة الجلد وحتى المشبك ''أو المجحن البسيط''، فيصلح لأن يكون
أداة زينة، وفي نفس الوقت فهو أداة نفعية وفائدته ربط جانبي هدبي اللباس
الصوفي.
حلي .. للنساء فقط!
وأشهر أنواع المشابك المعروفة عند سكان الواحة هو ''الشياط'' الذي هو عبارة
عن قطعة من الحلي مثلثة الشكل ومرصعة، وبها مسننة رقيقة، كما يمكن أن نذكر
''المساك'' الذي يصلح أيضا لشد أطراف الثياب. ويعد كل من الحزام
''السبتة'' واليد ''خامسة'' من نفس فئة الحلي ذات المنفعة المباشرة، أما
اليد فهي صورة منقولة عن الحجاب، فسوار المعصم وسوار العرقوب ''خلخال
ورديف'' والخاتم والحلية البيضاوية ''مدور'' ورافع النقاب ''البحري'' كل
هذه الحلي صالحة للنساء فقط. أما صناعة الحلي في بوسعادة فمازالت تتوارث
أبا عن جد، وهي الصناعة التي ساعدت سكان الواحة على العيش والتأقلم مع ظروف
البيئة، ففي القدم كان الحرفي يستعمل موقدا يحفر له في الأرض، واليوم
يستعمل وعاء قدره بعض الليترات وسندانا حجمه 30 في 10سم، وقوالب حجمها 10
في 5 سم، ومطرقة وملقطا وحصبة وقطعة حديدية ليساوي ويصقل محتوى القالب،
وكذلك مبردا وأحيانا زقا أو منفاخا. إن الصناعات التقليدية لواحة بوسعادة
ذات شهرة محلية ودولية، يعرفها السياح الأوروبيون الذين رجعوا إليها ممن هم
على خطى الفنان الفرنسي المسلم الشهير نصر الدين إيتيان ديني.