أنا أتحفظ على هذا المثل " المرأة شر لا بد منه " من أيام زمان أو منذ كنت صغيرا – , وحتى قبل أن أعرف شيئا ذا بال من ديني . كنتُ أتحفظ منه وأرفضه
لأن المعنى الظاهر منه فيه رائحة الإحتقار للمرأة ورائحة اعتبار المرأة
كائنا من الدرجة الثانية , ورائحة النظرة الدونية للمرأة , ورائحة اعتبار
الرجل " سيد " والمرأة " أمة " ما خُلقت إلا من أجل خدمته وإرضائه والوقوف
بين يديه .
ومع ذلك فإنني أقول بأن القول السابق " المرأة شر لا بد منه " مرفوض بمعنى ولكنه مقبولٌ بمعنى آخر
: " المرأة شر لا بد منه " قول مرفوض إذا كان القصد منه أن سيئات المرأة
غالبة على حسناتها وأن شرها غالب على خيرها . هو مرفوض بهذا المعنى لأنه لا
دليل في الشرع أو العقل أو المنطق أو... ( إلا في الجاهلية ) على أن الرجل
خير من المرأة وأفضل منها وأحسن منها و... ( وليس هناك كذلك دليل على أن
المرأة أفضل ) , وكذلك لأن في هذا اتهام غير مباشر لله بأنه خلق الرجل في
أحسن تقويم وخلق المرأة في أسوإ تقويم , وهذا اعتقاد مرفوض شرعا جملة
وتفصيلا . ولو كان هذا المعنى صحيحا ما جعل الله الزواج نصف الدين , ولا
جعل في الزواج مودة ورحمة , ولا جعل الجنة تحت أقدام الأمهات " إلزم رجليها ...فثم الجنة " , ولا جعل الجنة لا قيمة لها بدون زوجة ولا ..
إنني قلتُ وما زلتُ أقولُ
وسأبقى أقولُ بأن للمرأة حسنات وسيئات وللرجل كذلك ( مهما اختلفت الحسناتُ
والسيئاتُ : عددا وطبيعة وحِـدَّة ) , وبأنها ليست نصفا أكبر ولا أقل , بل
هي مكملة للرجل كما أنه هو مكمل لها , وبأن الحياة العامة والحياة
الإسلامية – خصوصا - لا تستقيم إلا بها , فهي الأم والزوجة والأخت والبنت و
..
إن الرجل الذي يقول لك بأن : " شر ما في الدنيا المرأة والشيطان " هو إنسانٌ جاهلٌ ومريض وكافر :
ا- جاهلٌ لأن الحقيقة ولأن الشرع يقولان غير ذلك .
ب - ومريضٌ لأن الرجل
السليم بدنيا ونفسيا يقول بأن أحلى ما في الوجود : المرأة , مع كل ما فيها
من سيئات , سواء كانت زوجة أو .. أو بنتا , وبأن أحلى كلمة في الوجود
تقولها شفتا كل واحد منا هي:
" أمي " .
وكافرٌ لأنه كفَر بنعمة المرأة التي ربته
أذكر بالمناسبة :
, في الوقت
الذي كانت فيه الكتب الإسلامية نادرة جدا في المكتبات الجزائرية )
- أخبرني مؤخرا مهندس
تخرج من الجامعة ( لكن الجامعة لم تُعلِّـمه للأسف الشديد الأدب مع المرأة –
كل امرأة - ومع رب المرأة سبحانه وتعالى ) , أخبرني بأن زوجته ولدت منذ
أيام قليلة , وأن الله رزقه بولد . قلتُ له قبل أن أعرف جنس المولود " بورك
لكَ في الموهوبِ وشكرتَ الواهبَ ورُزقتَ بِرَّهُ وبلغَ أشُدَّهُ ". ثم
سألـتُـه السؤال التقليدي " ذكرا أم أنثى ؟! " , فانتفض – وكأن عقربا لدغته
– " آه يا أستاذ , لماذا تسألني هذا السؤال ؟ . هذا سؤال لا يُطرحُ علي
أنا " , قلتُ " لماذا ؟ " قال والشيطان ينفخه " أنا , لا تأتيني زوجتي إلا
بالذكور , وبالذكور فقط !!! ". قلتُ "وماذا في الإناث ؟! ", فسمعتُ منه
خلال حوالي ساعة , سمعتُ معه العجبَ العُجابَ . وتم النقاشُ معه أمامَ
البعض من أصدقائه ومعارفه , وقدَّمتُ له ألفَ دليل ودليل على أن " النساء
شقائق الرجال " وعلى أن ... ولكن وكما يقول المثل عندنا في الجزائر " يسمعُ
الحجرُ ولا يسمعُ هذا الرجلُ ". سمعتُ من الرجلِ ما ملخصُـه أن الرجلَ -
وهو واحدٌ من الرجال - هو الإنسانُ , وهو كلُّ شيء , وأما المرأةُ –
وزوجـتُـه واحدةٌ من النساء - هي أشبهُ بالحيوان والعياذ بالله , وهي لا
شيء . ثم ... في الأيام التالية لهذه الحادثة سمعتُ من زوجته ومن أهلها ,
سمعتُ عن معاملته لزوجته ما يؤكدُ نظرة هذا الرجل الغارقة في الجاهلية
للمرأة . وكِـدتُ أحسبُ نفسي بأنني أرى رجلا وأسمعُ من رجل يعيشُ في
الجاهلية الأولى , حيث كان الرجلُ يدفنُ بنـتـه خوفا من العار الذي يمكن أن
تجلِـبَـه له , ولا حول ولا قوة إلا بالله , وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وثانيا
: و " المرأة شر لا بد منه " قول مقبول من جهة أخرى إذا كان المقصود من
القول " المرأة شر لا بد منه " هو أن في المرأة شر ( ولو كان خيرُها غالب )
, ومع ذلك لا بد منها ولا تستقيم الحياة إلا بها . إذا كان هذا هو المعنى
فالكلمةُ تصبح مقبولة ولا غبارَ عليها , ويصبحُ معناها معلوم بداهة . إن
المرأةَ فيها شرٌّ لأنها ليست معصومة , والذي يهمنا في الأمر ليس في أن
فيها شر , ولكن في أن خيـرَها غالبٌ بإذن الله . وبهذا المعنى يصبحُ الرجلُ
كذلك
" شرا لا بد منه " لسبب
بسيط هو أن فيهِ شرٌّ , أي أنه ليس معصوما , والذي يُـهمنا في الأمر ليس في
أن فيه شرٌّ , ولكن في أن خـيْـرَه غالبٌ بإذن الله تعالى
والله أعلى وأعلم .