في الوقت الذي يطمئن فيه المسؤولون الجزائريون، من يريد أن
يطمئن، أنه تم التوصل إلى اتفاق تام حول مشروع إقامة مصنع لإنتاج سيارات
رونو الفرنسية بالجزائر ولم تعد تفصل عن إبرام العقد المتعلق بذلك إلا بعض
التفاصيل الصغيرة، حتى أن وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
الجزائري أعلن عن سفر وشيك لبعثة من وزارته إلى باريس لإتمام الإجراءات، في
هذا الوقت خرج الرئيس المدير العام لشركة رونو ليكذب جملة وتفصيلا ما قيل
وما أثير ويثار حول هذا الموضوع، وقال بالحرف الواحد من المغرب إن التفاوض
مع الجانب الجزائري لايزال في مرحلة الاتصالات وسبر الإمكانيات، وليس هناك
بعد اتفاق نهائي، بالشكل الذي يتحدث عنه الطرف الجزائري، لإقامة مصنع
لسيارات رونو في الجزائر.. مشيرا ضمنيا وصراحة إلى أن الجزائر لا تصلح سوى
لتكون سوقا لسيارات شركته الجاهزة التي تبيع اليوم ما يفوق 75 ألفا منها في
هذه السوق وبالتالي لا داعي لإقامة مصنع صغير لإنتاج نفس هذه الكمية،
مؤكدا بصريح العبارة أن رونو هي العلامة الأولى في الجزائر، ولا يمكن
السماح لأي صانع آخر مهما كان لإقامة مصنع للسيارات في الجزائر.. وفي هذا
عزم فرنسي صارخ وفاضح للوقوف في طريق كل من تسول له نفسه محاولة ولوج هذا
القطاع وغيره من القطاعات الصناعية في الجزائر، والتهديد في قضية الحال
موجه بالدرجة الأولى إلى الصانع الألماني فولكسفاكن الذي تحدث مؤخرا عن
إمكانية إقامة مصنع لعلامته في الجزائر بالشراكة مع أحد المستثمرين الخواص.
وفي هذا الوقت كذلك، أعلنت شركة رونو بالأرقام والوثائق عن
دعم مصنعها الضخم في المغرب ليرفع إنتاجه ابتداء من الأسابيع القادمة إلى
350 ألف سيارة موجهة أساسا إلى الأسواق الأوروبية بالإضافة إلى مباشرة
إنتاج أحدث طراز للسيارات الفارهة من سلسلة رونو سبيس في مصانع الشركة بضواحي طنجة المغربية.
هذا ما يمكن أن يعطي مرة أخرى صورة مبسطة وواضحة عن اليد الحديدية
الفرنسية الجاثمة منذ خمسين سنة كاملة على الجزائر في الاقتصاد والسياسة
والمال والثقافة وكل ميادين الحياة ومنعها من تحقيق أي تطور في أي مجال كان
بتواطؤ مسؤولين تنتقيهم هي بدقة متناهية لحكم الجزائر، قضية مصنع رونو
للسيارات المثارة حاليا سبقتها قضايا ومؤامرات أخرى لعل أبرزها القضاء على
مشروع إنتاج سيارات "فاتيا"
في تيارت بالشراكة مع مؤسسة فيات الإيطالية الذي ظل قائما لأكثر من عشرين
سنة قبل أن يتلاشى تماما بفعل الرفض الفرنسي، وكذلك مشروع تحديث مركب
العربات والحافلات بالرويبة الذي لاتزال العروض الألمانية والكورية
المتعلقة بتحديثه تواجه الرفض الفرنسي بالتآمر مع النقابة المحلية وبعض
العملاء في مراكز المسؤولية، وآخر ضربات هذا اللوبي الفرنسي هي تخريب
المشروع الألماني لإقامة محطات الطاقة الشمسية بالجنوب الجزائري باستثمارات تفوق 400 مليار دولار والذي حول بصفة نهائية إلى المغرب وبموافقة فرنسية.
وبمجمل القول أن الجزائر تتعرض لعملية إفلاس شاملة ومنهجية من قبل فرنسا، إفلاس يجري في صمت ويتم في المفاصل والنخاع مما يجعله أخطر من الإفلاس الذي تتعرض له اليونان حاليا في الاتحاد الأوروبي؟.