وجّه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، اتهامات خطيرة لقادة الثورة التحريرية، مرتكبا واحدة من أكبر المغالطات التاريخية، حينما وضع كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال والحرية، في مستوى الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها بلاده في الجزائر، طيلة ما يقارب قرنا ونصف.
الجديد في خطاب ساركوزي المستفز لمشاعر الجزائريين، ليس تأكيده رفض بلاده الاعتذار للجزائر، وإنما في مساواته بين الجلاد والضحية، بين جيش جرار قوامه نصف مليون جندي كان مدعوما بالحلف الأطلسي، وبين شعب أعزل واجه دبابات عدوه بصدور عارية، ومجازر 08 ماي 1945، وقنابل النابالم شاهدة على ذلك.
ساركوزي وفي حوار خص به صحيفة "نيس ماتان"، قال: "نعم، كانت هناك تجاوزات كبيرة من هذا الطرف أو ذاك، يتعين التنديد بها، لكن لا ينبغي لفرنسا أن تعتذر"، ويقصد هنا بالطرفين، فرنسا وجبهة التحرير الوطني، وذلك بينما كان بصدد الرد على سؤال يتعلق بالتصريح الذي أدلى به في جانفي الأخير، والذي أكد من خلاله رفضه القاطع تقديم الاعتذار للجزائر.
وتضم مدينة نيس واحدة من أكبر تجمعات الحركى والأقدام السوداء، إلى جانب العديد من المدن الفرنسية التي تطل على الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وهو ما يفسر توجهات خطاب ساركوزي، التي طغت عليها حسابات الانتخابات الرئاسية، دون مراعاة أي اعتبار لشعور الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا.
مرشح الرئاسيات الفرنسية، وبدل أن يحكّم المنطق والعقل وهو يتحدث عن "حرب الجزائر"، كما تسميها الأدبيات الفرنسية، راح يبرر ما لا يبرر، مقدما عبارات لم تعد تجد لها آذانا صاغية، حتى عند أوساط الأقدام السوداء والحركى، الذين لم يستفيقوا بعد من صدمة الوعود الكاذبة التي أطلقها نزيل قصر الإيليزي، في الحملة الانتخابية لرئاسيات 2007، التي حملت ساركوزي إلى سدة الحكم.
ومن بين المبررات التي ساقها ضيف "نيس ماتان" في هذا السياق، هو أن العمليات العسكرية الإجرامية وحرب الإبادة التي ارتكبها الجيش الفرنسي إبان الثورة التحريرية، كانت حصيلة قرارات وقعتها حكومات أفرزها الشعب الفرنسي، وقال: "العمليات العسكرية التي قام بها الجيش الفرنسي في الجزائر، ونذكر بأن الجزائر كانت يومها جزء من التراب الفرنسي، تمت في إطار الجمهورية الفرنسية، التي قادتها حكومات شرعية ومنتخبة بطريقة ديمقراطية.. لكن فرنسا لا يمكن أن تعتذر عن هذه الحرب".
وبعد أن استفاض ساركوزي في "تطييب" خاطر الأقدام السوداء والحركى، توسل إلى من يسمون بـ"فرنسيي الجزائر"، إلى عدم التصويت لصالح حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبان، وأوهمهم بأنه على اطلاع تام بالمشاكل التي يعانون ولازالوا يعانون منها، وحذّر من مخاطر التصويت على هذا الحزب، كونه سيؤدي إلى إضعاف فرنسا.
وغازل ساركوزي فرنسيي الجزائر، قائلا: "لقد وضعناهم (الأقدام السوداء والحركى) في أحياء شعبية وطلبنا منهم أن يصمتوا ولا يتحدثوا عن ظروفهم الاجتماعية والمعيشية ولا عن ذكرياتهم، لذا أنا هنا لأقول لهم إن تاريخهم هو جزء من تاريخ بلادنا وعلينا احترام ذاكرتهم"، مشيرا إلى أن هؤلاء كانوا ضحية نهاية حقبة من الاستعمار، وأن فرنسا لم تكن الدولة الوحيدة التي انفصلت عن مستعمراتها.
وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 4 ملايين ناخب ممن يوصفون بـ"فرنسيي الجزائر"، 800 ألف شخص من بينهم ينتمون إلى فئة "الحركى"، حسب برنار كول، رئيس جمعية شباب الأقدام السوداء، وهو ما يعادل حوالي 8 بالمائة من مجموع الناخبين الفرنسيين، ما يفسر مغازلة الرئيس الفرنسي لهذه الفئة عند اقتراب كل موعد انتخابي.