كان رجل له زوجتان: الأولى عربية والثانية رومية، العربية لها ولد وبنت جميلة، أما الرومية فلها بنت ذميمة الخِلْقَةِ، الرومية تغار من ضرتها العربية وابنتها اللتين تفوقانها في الجمال.
في يوم من الأيام ذهبت ابنة العربية إلى زوجة أبيها، فوجدتها تنسج في إزار أحمر اللون، فَأُعْجِِبَتْ به، وقالت: آه ! َأشْحَالْ مْلِيحْ لِيزَارْ هَذَا لْلِّي تْنَسْجِيهْ أَلاَلَّهْ؛ لُوكَانْ تْنَسْجِيلِي وَاحَدْ كِيفُو. أجابت الرومية قائلة: َأقَتْلِي أَمُّكْ نَنْسَجْلَكْ وَاحَدْ كِيفُو. قالت الفتاة ببراءة تامة: كِيفْ نْدِيرْ أُو نَقْتَلْهَا يَالَالَّهْ؟ قالت لها: رُوحِي جِيبِي َلعْقارَبْ أُو حَطّْيهَا فِي الْمَزْوَدَةُ نْتَاعْ لْمَلْحْ، أُو قُولِيلْهَا يَمَّا رَانِي جَايْعَه أَخَرْجِي مَنْ السَدَّايَةْ دِيرِي لِي اْلكَسْرَةْ.
ذهبت الفتاة مسرعة، فقامت بإحضار العقارب، ووضعتها في مزودة الملح، وَأَلَحَّتِ على أمها التي كانت تنسج، أن تُحضِّرَ لها الطعام، تماما كما قالت لها زوجة أبيها. خرجت الأم ملبية طلب ابنتها، فقامت بإحضار الدقيق، ومدت يديها إلى مزودة الملح وفكت ربطة الخيط الذي أغلقت به وأدخلت يدها فلدغتها العقارب فماتت في التو، وعادت البنت إلى زوجة أبيها وأنبأتها بما فعلت قائلة:« لاَلَّهْ، لاَلَّهْ »:قْتَلْتْهَا قْتَلْتْهَا. فردت عليها زوجة أبيها وقالت: «إِيهٍ: مَلِّي كَانَتْ الدَّنْيَا لاَ اتَنْدَارَتْ حُولِيَّهْ حَمْرَهْ لَلِّي اقْتَلْ امُّوْ».
ماتت الزوجة العربية، وبقي ولداها يعيشان ربيبين، لا يلقيان من زوجة أبيهما إلا الإهمال، فمن شدة الجوع والعطش كانا يرضعان البقرة التي تركتها لهما أمهما عندما يرعيانها، إذ كان كل واحد منهما يرضع ثديين، وبقيا على تلك الحال يرضعان البقرة، وبدت على وجوههما مظاهر الصحة الجيدة، على عكس بنت الرومية التي أفرطت في الاعتناء بها، إذ كانت سقيمة نحيفة ذميمة.
تنبهت الرومية لذلك، واحتارت لأمر ربيبيها، وقامت باقتفاء أثرهما لمعرفة السر في ذلك، فوجدتهما يرضعان البقرة، بالتداول. وأمرت ابنتها لتفعل هي أيضا، وفي الغد ذهبت الفتاة إلى المرعى مع أخويها، وعندما ذهبت إلى البقرة لترضعها، أحست البقرة بأنها غريبة، فصكتها على وجهها برجلها الخلفية إلى عينها فعورتها، وفي المساء عادت البنت إلى أمها عوراء، فقررت الزوجة على أن البقرة التي عورت ابنتها ستذبح.
في المساء دخلت في جدال مع زوجها، حول شأن البقرة، وأمرته بذبحها، ورد عليها بأنه لا يعقل ذبح بقرة اليتامى، لكنها أصرت على ذلك، ولكن بعد رفضه لذبحها، أمرته بالذهاب إلى الجماعة لتنظر في الأمر وتحكم. ذهب الزوج إلى الجماعة، وعرض عليهم الأمر، لكن الجماعة انتصرت للحق، وحكمت على أن البقرة لا تُذْبَحُ، فعاد إلى البيت وأخبرها بذلك، فلم تقتنع، ورفضت الأمر، وأمرت زوجها بالعودة إلى الجماعة لتعيد النظر في الأمر علها تتراجع عن حكمها، فعاد الزوج، وتبعته الزوجة بعد أن تنكرت في زي الرجل، إِلْتَفَّتْ بِالْبَرْنُوسِ وحضرت جلسة الجماعة وكانت هي الوحيدة
التي حكمت بذبح البقرة، وعادت إلى البيت قبل زوجها، لأنها سلكت الطريق المختصرة، وعندما وصل سألته عما حصل، فأخبرها بأن الجماعة كلها حكمت بعدم ذبح البقرة، إلا رجلاً واحدًا، فقالت: «غِيرْ هَذَاكْ اللِّي يَعْرَفْ اطْريِقْ رَبِّي». قوتلك البقرة تتذبح تتذبح.
ذُبِحَتِ البقرة، وتم تفريغ أحشائها فوق قبر أم الطفلين، فنبت فوقه أربعة أثداء، إثنان يفيضان بالعسل، والآخران بالسمن، وكانا الطفلان يرضعان هذه الأثداء عند كل زيارة لقبر أمهما، وكعادتها كانت الرومية تراقبهما، واكتشفت على أنهما يرضعان تلك الأثداء التي نبتت فوق القبر، فقامت بحرقهما، ونبتا مرة أخرى، وأحرقتهما مرة ثانية، لكنها يئست بعد أن نبتا مرة ثالثة، فقررت الرحيل إلى بلاد بعيدة. لكنه قبل ذلك قامت بإحضار زجتين من الصوف، الأولى لونها أسود، والأخرى أبيض، وكلفتهما بغسلهما إلى أن تتحول السوداء إلى بيضاء، والبيضاء إلى سوداء، ثم يقومان بملء الماء في الغربال، حينها يمكن لهما العودة إلى البيت.
نزل الطفلان الوادي لإنجاز المهمة المستحيلة، وفي الوقت الذي كانا يحاولان استحالة ماهو أبيض إلى ما هو أسود، والعكس، كانت الزوجة قد شدت الرحيل، وفي المساء رفرف الغراب بجناحيه فوق رؤوس الطفلين قائلا: « عَاقْ عَاقْ ، لَبْيَضْ مَا يَكْحَالْ، لَكْحَلْ مَا يَبْيَاضْ، الْمَاءْ مَا يَتْهَزْ فِي الْغَرْبَالْ، مَّالِينْ الدَّارْ راهم شدوا الترحال».
عادا إلى الدار فوجداها فارغة، نظرا إلى مكان النار في ركن الدار فوجدا تحت الرماد خبزتين، واحدة خبزت من دقيق القمح والأخرى من دقيق الشعير، وكانت زوجة أبيهما قد وضعت السم في خبزة القمح، أما الأخرى فلم تضع فيها شيئا، وشك الطفلان في ذلك، وقدما لقمة من خبزة القمح إلى القط أكلها فمات، وقدما من خبزة الشعير إلى الكلب فلم يمت، فأكلاها. خرجا يطوفان حول الدار فاهتدا إلى الطريق التي سلكها أبوهما عندما رحل مع زوجته، إذ قام الأب عند الرحيل بملء عود من القصب بالرماد، كان يتكئ عليه فيترك علامات على طول الطريق. تبعا تلك العلامات على طول الطريق حتى وجدا أبيهما يرعى الغنم على حافة الطريق، وخاف من أن ينكشف الأمر لزوجته، فأرسل إليها ليخبرها بأن لديه ضيوف، يجب أن تحضر لهم العشاء، وتقوم بوضع ستار بينها وبينهم. فعلت الزوجة ذلك، وانتظرت قدوم الضيوف في المساء، وقدمت لهم الأكل، وحثهم الأب على الأكل، قائلا لهم :« كُولُوا يَاجْوَادْ »فردا عليه«نَرْوَا أَبَابَا حْنِينِي»أي شبعنا أيه الأب الحنين، سمعت الزوجة الحوار الدائر بين الأب وأبنائه، وانكشف لها الأمر، فنطقت من ركن الدار قائلة لزوجها:«هَذُوا هُمَا الضْيَافْ انْتَاعَكْ يَحَلُّوفْ بَنْ حَلُّوفْ، أَوْلاَدَكْ هُمَا أللِّي لَحْقُونِي». انتظرت الزوجة منتصف الليل أين غرق ربيباها في النوم، فقامت بلفهما بداخل الحصير، فحاكته (خاطته)عليهما، ورحلت مع زوجها باكرا. وفي الصباح استيقظ الطفلان فوجدا نفسهما في تلك الوضعية، واجتهد «علي زرزر» واستطاع أن يفك أسرهما بعد أن قام بقطع الحصير بالسكين ، وقررا متابعة الطريق علهما يجدان أبيهما مرة ثانية. في الطريق اهتدا إلى منبع الماء المسحور، الذي ارتوى منه مرة واحدة لا يحدث له شيء، أما الذي ارتوى منه أكثر من مرة، يتحول إلى غزال. «ذبيرا» شربت مرة واحدة، أما أخوها «علي زرزر»شرب أكثر من مرة، فتحول إلى غزال، ونزع خفيه، ووضعهما فوق قرنيه، وتبع أخته. استدارت الأخت إلى الخلف وإذا بغزال يتبعها، فقالت: آه،ياخويا وعلاه خدعتني؟ شربت أكثر من مرة. فرد عليها: «الله غَالَبْ عْطَشْتْ وَاشْرَبْتْ أُوعَاوَتْ وَاخْلاَصْ».
تبعا المسير، وفي الطريق مدا نظريهما فرءا كومتين: الأولى لونها أحمر، والأخرى أبيض، وتعاهدا على أن يأخذ كل واحد منهما كومة، «ذْبِيرَا»قالت الحمراء لي، «عَلِي زَرْزَرْ» قال أنا سآخذ البيضاء، وعندما وصلا إلى مكان تواجدها، كانت الحمراء تمر، وهي من نصيب «ذْبِيرَا»، أما البيضاء فكانت ملح، وبطبيعة الحال من نصيب أخوها« عَلِي زَرْزَرْ ». عندها قالت«ذْبِيرَا» لأخيها: هيا نأكل التمر معا. فرد عليها بأنه لا يمكن له خيانة العهد هذه المرة. وأصرت الفتاة على أن يأكل أخوها معها التمر، لكنه أبى، فلجأت إلى حيلة، إذ تأمره بالنظر إلى المسافة التي قطعاها، فيلتفت وراءه ليمد بصره إلى الوراء، فترمي له بحفنة من التمر وسط الملح، ويظن هو أن التمر كان مدفونا في وسط الملح سلفا، وليست أخته هي التي جادت به عليه.
أكلا حتى شبعا، فذهب هو إلى بستان الحنة يرعى فيه، أما أخته «ذْبِيرَا» تسلقت إلى أعلى النخلة جنب البئر، تقوم بتسريح شعرها، وكان شعرها يتساقط فوق مياه البئر. جاء خادم السلطان بفرس سيده إلى المورد، لكن الفرس أبى أن يشرب، فعاد إلى السلطان وأخبره بأن الفرس أبى الشرب، فجاء السلطان بنفسه ليرى ما في الأمر، فقام بفتح فم فرسه فوجد شعرة امرأة التفت بلسانها، وأمر خادمه بأن يسوقها إلى البئر مرة أخرى، فشربت الفرس هذه المرة، فنظر السلطان إلى الأعلى، وإذا بفتاة في رأس النخلة، فأمرها بالنزول، واشترطت عليه الفتاة بأن لا يؤذي من معها. وعاهدها السلطان على أن لا يلحق من معها أي أذى، إذ قام بتحريم الصيد، حتى لا يُصْطَادَ الغزال. فنزلت الفتاة من أعلى النخلة، وذهب الخادم إلى إحضار أخيها الذي استحال غزالا، وأخذهما السلطان إلى قصره، وتزوج بالفتاة، وأخوها يظل يمرح فوق مزاود الدقيق.
أما زوجة أبيها ظلت تبحث وتسأل عنهما، حتى قيل لها بأنهما يوجدان في قصر السلطان، فكلفت ابنتها بزيارة أختها «ذْبِيرَا». عندما نزلت الفتاة ضيفة على أختها قالت لها: هيا نذهب إلى البئر لنسقي الماء معا، فلبت «ذْبِيرَا» طلب أختها واتجهتا نحو البئر، وعندما وصلتا قالت ابنة الرومية لأختها هيا ننظر إلى الماء لنرى من هي الأجمل من أختها، وعندما فعلتا خدعتها، وقامت بدفعها فسقطت إلى قاع البئر. وعادت وحدها إلى القصر، وعل ظهرها قربة الماء، لتوهم السلطان بأنها زوجته، تماما كما خططت لها أمها؛ فقال لها السلطان: وَاشْ بِيهْ وَجْهَكْ؟ فقالت له: لَهْوَا انْتَاعْ بْلاَدْكُمْ مَا سَاعَدْنِيشْ. وقال لها:
وَاشْ بِيهَمْ عِينِيكْ؟ أجابت الفتاة قائلة: لَكْحُلْ انْتَاعْكُمْ اللِّي دَارْلِي هَاكْذَا. وأضاف السلطان قائلا: وَاشْ بِيهَمْ سَنِّيكْ؟ قالت: اسْوَاكْ انْتَاعْ ابْلاَدْكُمْ اللِّي احْرَﭭـْنِي هَاكْذَا.
في يوم من الأيام طلبت من السلطان أن يأمر بذبح «علي زرزر»، متذرعة بأنه يظل يمرح فوق مزاود المؤونة(العولة)، وذَكَّرَهَا السلطان بالعهد الذي قطعه معها ضانا بأنها «ذْبِيرَا»زوجته. رفض السلطان طلبها، لكنها أصرت وألحت عليه بحجة أنها هي التي خانت العهد وليس هو، فأمر السلطان خادمه ليخبر « عَلِي زَرْزَرْ » بأنه سيذبح، فطلب منهم بأن يدعوه يذهب إلى تلة جنب البئر ليردد كلمتين ويعود إليهم ويفعلوا ما أرادوا. لبوا له طلبه، وذهب إلى التلة بقرب البئر الذي تتواجد فيه أخته، فقال:«آذبيرا، آذبيرا؛ يَاخْتِي خُوكْ عَلِي زَرْزَرْ رَايَحْ يَتَّذْبَحْ، لَمَّاسْ يَتَّرْحَاوْ، وَالسَّطْلِيَّاتْ يَتْغَلاَّوْ». فردت عليه قائلة: «وَاشْ رَايَحْ انْدِيرْلَكْ يَاخُويَا عِيسَى وَمُوسَى فِي حَجْرِي وَالْمَاءُ وَاللهِ مَا خَلاَّنِي نَجْرِي، لَحْبَلْ لَزْرَﭪْ مَلْفُوفْ عَلَى رِجْلِي». وكان خادم السلطان يسترق السمع، فسمع هذا الهمس الذي يصدر من البئر، وأخبر سيده السلطان بذلك. فجاء السلطان مع الخادم وأعاد «عَلِي زَرْزَرْ»إلى المكان الذي جاء إليه من قبل، وطلب منه ترديد ما كان يردده من قبل، فردد «عَلِي زَرْزَرْ» ذلك، ونادته أخته من قاع البئر، فاتجه السلطان إلى البئر وإذا بفتاة بداخله معها طفلين، وأمر بإحضار سباح لإخراجها، وتم إخراج الفتاة من البئر، وعرف أنها زوجته، وسألها عن الأمر، وأخبرته بأن أختها(العوراء) التي زارتها هي التي فعلت ذلك لتتولى مكانها. فعاد بها السلطان هي وولداها وأخوها إلى القصر، وأقام حفل ختان للأولاد مدة سبعة أيام، وأمر السلطان خادمه بذبح ابنة الرومية، وتم تقطيعها إربا إربا، ثم وضعت بداخل التليس، وَحُمِلَتِ على ظهر الحمار إلى أمها الرومية، بصحبة القط والديك، وعندما وصلوا إليها، قالوا لها إننا جئنا بجثة «ذْبِيرَا»وأخيها« عَلِي زَرْزَرْ »مذبوحين، ففرحت الرومية، وبادرت إلى إخراج الكبد من التليس لشوائه، فوضعته على الجمر لطهيه، وإذا بأجزاء منه تتطاير صوب وجهها، واحتارت للأمر، واستمرت في إخراج اللحم واختيار ما يمكن شواؤه، حتى وصلت إلى الرأس في أسفل التليس، فوجدته رأس ابنتها العوراء، وانكشف لها الأمر، ففر القط والديك، وكان الديك يصيح ويقول: «عُوعُو، عُوعُو، الْعَوْرَا فِي التَّلِّيسْ، أُوﭭـَتْشِّينْ يَتْشَّا هِيمَتْشِّيثْ انْيَلِّيسْ