الجغرافيا الإقتصادية لمقر عاصمة الأمير عبد القادر - طاقين –
سنتعرض الى الجغرافية الاقتصادية لمنطقة عين طاقين من خلال امتداد الواد الطويل و السفوح التحتية لبوغار، باتجاه البر واقية و بوقزول التي كانت تعتبر ممرا للقبائل، المتنقلة في السهوب كقبائل اولاد نايل و الدواير، الزمالة ،لأن مصدر الثروة في تلك المرحلة أقتصر على تربية المواشي و الإبل المتنقل بها من مكان إلى آخر، بحثا عن الكلأ أو مخافة من الوقوع في حمله أو غارة.
الجغرافية التاريخية لمنطقة طاقين.
تقول الرواية الشعبية غير الموثقة، المعروفة بالمنطقة التي يحفظها الكثير من كبار “المقان وأولاد شعيب” ومنهم الشيخ الصالح عبدالحميد خوجة سي يوسف رحمه الله الذي منحني شرف تسجيل كل المعلومات المتعلقة بحياة القبائل العربيةالمعروفة على ضفاف الواد الطويل، منذ كنت في مرحلتي الجامعية الأولى سنة 1985م.
وسأنطلق في الحديث من اصل الرواية المتناقلة شفهيا على ألسنة الكبار من شيوخ “أولاد شعيب” حول وصف عين طاقين ،
كيف عرف أسم عين طاقين ؟ ربما نكاد نجزم أن الاسم قديم جدا حسب رواية رواها لنا “المجاهد والوزير السابق الصافي بوديسة
فقد كان لهذا الوزير إطلاع واسع بالبحوث الفلاحية التى كانت تجرى في المنطقة في الستينيات ، وروت لناالحاجة بنت لطرش تقطن بنواحي تاجموت (1)،ان طاقين اسم يعود الى قديم الزمان ويعني بالدارجة على حد قولها الطاقة وهي شجيرة علفية معروفة كانت تنبت في المنطقة الى جانب شجيرة “السفيصيفة” ومما عرف عند عن طاقين هو اقترانها بالمكان الفسيح الذي يشبه الحمادات المنتشرة في نواحي “واد قير” احتوى على نبات” الطاقا” وهو نبات قيل عنه بأنه كان غذاءا مفضلا للإنعام والإبل ،وكان هذا النبات يكثر بكثرة على نواحي الواد الطويل ،واغلب الضن بين ركبة حلوف من الناحية الجنوبية للواد الطويل ، ومايبرر ذلك هو حركة القبائل العربية التي كانت تتم عبرالجنوب، انطلاقا من جبال الفايجة بعين اذهب ثم طاقين عبر “بوست البرانة” وصولا الى مقطع المقتلة ذي الكثبان الرملية ويندمج ذلك الطريق مع طريق ثانوي يؤدي الى ” المقاديم” عند بطحاء أولاد بن يعقوب قبل ان يجتاز معبر مقطع أولاد شعيب، دون ان يعلم التاريخ الفعلي لهذا النزوح، بل كان يقول رحمه الله “يا حصراه قبل ما يزيد جد جدي،” ويضيف المرحوم سي يوسف الخوجة “أن سيدي احمد بن المغني وهو الجد الاول للمقان ومؤسس قبيلة المقان في نواحي البيض.
وسيدي عبدالهادي ولي صالح ورجل تقوى، كان قد ولي في وقت سابق على “أولاد اشعيب” قبل ان يمروا الى الصحراء ، وقد ضرب في تلك الفترة جفاف كبير ادى الى قتل الكثير من العباد والانعام ، فسارع الشيخ عبدالهادي الى الدعوى بتنظيم اول اتحاد بين فرعي القبيلة “المقان وأولاد سيدي الشيخ ” وولي احمد بن المغني الشؤون العسكرية بين الفرعيين وتولى الشيخ عبدالهادي شؤون الفتوى والدين ،واتفق الطرفان على ارسال فارسين للاطلاع على أراضي خصبة تكفي لحمل كل تلك الفلول الكثيرة جدا،” هنا يمكن ان ندرج حالة المنطقة البيئية فقد ذكر لنا وقوع كارثة بيئية كبيرة أدت الى إتلاف الحرث والزرع،ضربت الجنوب الغربي.
كانت قبائل أولاد شعيب من أكثر القبائل مشاركة بتجارتها في قافلتي المشربة المنطلقة من عين الصفراء الى قصر أمغار التحتاني بنواحي إدرار ،أردت الإشارة الى هذه الوصلةالتاريخية التي تكلم عنها الدكتور” فرج” حول بدو التو ارق(2) تببين الحجم الكبير لأموال وتجارة أولاد اشعيب الشيء الذي جعلهم يتمركزون لاحقا على ضفاف الواد الطويل وهذا يؤكد لنا غنى أولاد شعيب عبر وأنهم كانوا أصحاب تجارة ومال ، ولنعود من حيث بدأنا لوصف عملية مرور القوافل عبرا لواد الطويل ،حتى نؤكد كيفية وصولهم الى الواد الطويل ، من لبيض سيدي الشيخ ،فاغلب الضن أنهاكانت معبرا أمنا لقبائل “أولاد نايل” المتاجرة حسب ما ذكر “الدكتورشنيتي”(3)،عندما وصف معبرالسحاري بزنينة “القلعة” التي وضعها الرومان لمراقبة القوافل التجارية القادمة من المشرية مع العلم ان “زنينة” تبعد عن طاقين ب50 كلم باتجاه الكثبان الرملية عندمايتم قطع المسافة من المقتلة الى زنينة مباشرة .
وتواصل الرواية الشعبية أنه بعد اكثر من 4 اشهر تم اكتشاف أرض الواد الطويل التي وجد بها “نبات الطاقة” بكثرة فارسل الشيخ عبدالهادي برسول الى قبيلة كبيرة كانت تقطن بعين طاقين استقرت هي الأولى “براس العين” يطلب منها عرض الشيخ عبدالهادي بخصوص السماح لهم بالسقاية والرعي على ضفاف الواد الطويل إلا ان العرض تم رفضه والحكاية بدأت على تفسيرين، فاما التفسير الاول يقول أنهم قتلوا الرسول مما جعل الشيخ يغضب عليهم وينازلهم في موقعة راس العين الشهيرة ،والتفسيرالثاني يقول ان الرسول عاد بجواب الى المقان وأولاد اشعيب يقول لهم ” ان ارض الطاقة للطايقين” عندها نشبت حرب ضروس بين القبلتين مات فيها خلق كبير.
وكانت الغلبة لأولاد سيدي عبدالهادي ، حيث طلب الشيخ مطاردتهم حتى مشارف إقامة البواعيش بنواحي المدية .
ولم يفصح لي الحاج الخوجة على اسم القبيلة التى سكنت قبل أولاد شعيب بل اكتفى إنها تقطن حاليا بسبت أعزيز ناحية” كريرش” “بالنعايم. ”
خلفية اختيار طاقين :
إذا أردنا معرفة،لماذا اختار الاميرعبدا لقادر طاقين ؟ فإننا نقول أنها شكلت اختيارا استراتيجيا و طبيعيا، بسبب توفر عدة عوامل نذكر منها:
- اختياره لتضاريسها الطبيعية وبعدها عن مناطق المراقبة ببوغاز
- انتماء “أولاد ا شعيب و المقان أولاد الشيخ والغرايس” تاريخيا إلى بطن واحد مع الأمير.
وترجع مكانة طاقين في قلب الأمير لكونها أحد معقل أجداد ،وذكر مصطفى بن تهامي العصب الحقيقي لأولاد أشعيب المنتمين لقصر بوعلام، وهم في الحقيقة ينتسبون قديما وحديثا لنسب البرجية علىنسل مولاي عبد القوى أحد أجداد الأمير. ومنهم (( المقان الذين استوطنوا واد مينة وقبائل الدوائر الذي هم في الأصل لهم علاقة بأولاد إسماعيل وأولاد المسعود وأولاد بن عفان، وسموا بالدوائر عندما صاروا أعوان الملوك بوهران، بينما عرب الدوائر الذين هم، السوايلية، العمامية، السعايدية، والخاوات منهم الغريس ))، ولهذا ذكر الحاج تهامي في غزوات إخضاع القبائل المتمردة وإرجاعها إلى الدائرة، ذكر أن دائرة محمد بن علال كانت دائمة الترصد ، ويقول أن الأمير بقى في المحلة ونزل الحاج مصطفى بالدائرة إلى ” قصني” ثم عرج إلى ” طاقين ” (حوالي 15كلم )، وهذا ما يؤكد أن طاقين كانت تشكل حصنا منيعا وأن الأمير كان على تفاهم كبير مع الشيخ جديد بن يوسف شيخ أولاد أشعيب، الذي أكرم وفادتهم لما وصلوا إلى قجيلة.
الجغرافية الاقتصادية لطافين :
إن عين طاقين التي وصفها الكولونيل “سانت أرنو” إلى قيادته تشكل منطقة صخرية موحشة ،لهاعلاقة بظاهرة الجفاف التي ضربت المنطقة في تلك الفترة، وهو ما يؤدي إلى طرح فرضيتين.
- هل كان الأمير يعلم مسبقا أن المنطقة ذات طبيعة جافة و قاسية حتى يبعد العدو من الوصول إلى مواقع زمالته.
-أما الفرضية الثانية تتمثل في زعم الأمير ان المكان آمن لخصوصيته وتوفر المياه الكافية لاستيعاب ذلك العدد الكبير من السكان.
وما نستنتجه في اعتقادنا أن العلاقة جد هامة بالمياه المتدفقة من رأس العين.ثم لآن موقعها على ضفاف الواد الطويل ،جعل منها منطقة ذات حيوية وسهل كبير يصلح للمراعي وهذا ما أكده زحف الرومان أبان العهد النوميدي للسيطرة على المنافذ المؤدية إلى الصحراء و الهضاب انطلاقا من تضاريس جبال الزهراز الغربي .
أحكم الرومان سيطرتهم على معبر الزهراز الشرقي من أوصول الحضنة الجنوبية عبر مجدل، وعلى طريق الأغواط، إنطلاقا من قلعة دميدي ، مما يرمز إلى احتلال مناطق عبور الرحل من شمال الصحراء و بلاد التل عبر جبال أولاد نايل.
أقام الرومان تحصينات على المعابر بين الصحراء و السهوب و بالذات على “واد ملاح” الذي يصب في الزهرازالغربي وهو ممر رئيسي للبلاد الواقعة خلف جبال الزهراز الغربي و بين سهوب طاقين و قد وصف s.cossel(4) بأنها حصون وضعت لمراقبة النواحي الخلفية لجبال أولاد نايل و السهوب ، وهي في الحقيقة وجدت أصلا لمراقبة سهوب بوغارالتي كانت تشكل طاقين أحد مكوناته الأمامية (5) ترتبط التضاريس الجغرافية لمنطقة التحرك الروماني في الصحراء بقلعتين لهما علاقة بطاقين.
-أولا “قلعة دميدى” التي نشأت على ربوة مشرفة مرتبطة بواد جدي لايعرف معناه ويدعوها سكان مسعد “بقصرالبارود” شكلت سوقا تجارية هامة لمواطني التل و الصحراء، والهدف من بنائها هو فرض السيطرة على الطريق الرابط بين جنوبي المغرب الأقصى و نوميديا شمال الصحراء.
عرف هذا الطريق زحفا مستمرا للقبائل التي كانت تمارس الإغارة على القوافل التجارية ،لهذا وضعت “القلعة” لحماية الطرق الرئيسية المنطلقة نحو الغرب مرورا بالأغواط ولبيض سيدي الشيخ و تاورارة، تافيالت، فكانت كل الحملات تذهب لتعود إلى دميدي.
سمع عرب الصحراء والتل عن “حصن دميدي” وعن الجيوش الرومانية الضخمة التي كانت تجوب الطريق الجنوبي الواصل إلى الغرب و والمنطلقة من تادميت بين الاغواط و الهضاب العليا و الزنينة التي تبعد عن طاقين بـ 50 كلم فقط
إن المثلث الاستقامي يقول عنه الباحث شنيتي (6)أنه يدعونا إلى التفكير بأن إنشاء المناطق الثلاث كان وفق خطة مدروسة فرضها هدف عسكري و هو التحكم في المنافذ الثلاث للبدو الرحل في شمال الصحراء ( مسعد ، زنينة ، آفلوا ) وبالتدقيق في ماوصفه “دولا بلسير” خلال رحلته الاستكشافية عام 1882 م بين إقليم الناظور بواحة حقيقية عند منابع “واد الفايجة” كما أقامت الحامية الرومانية “حصن رومنا” الذي كان مكلفا بالحوض الأوسط للواد الطويل.
نستنتج ان طاقين كانت من بين نقاط الترصد إبان الحكم الروماني، وحتى يتم الوقوف على الطبيعة الجغرافية لطاقين نسلط الضوء على طبيعة التضاريس لبوغار أولا ،لأن المنطقتين تتشابهان بالطابع الصخري لأراضيهما.
إن “بوغار” كانت محل اهتمام كل الجيوش المارة عبرها ولاسيما الرومان الذين أقاموا مركزا عسكريا بالغ الأهمية على أعلى منطقة تبلغ 1112 م مركزه بالشلف و واصل ، على إثر تكون الحوض المائي من جهة ، واقترانها “بخربة أولاد أهلال “التي تمكن الناظر من مد بصره جنوبا عبر سهل سرسو الممتد على السفوح الجبلية للونشريس و يشاهد مدينتي المدية ومليانة.
و ما أكده “ماك كارتي” عند ما زارا لمنطقة عقب الاحتلال هو تلك الإشارة التى قدمها بخصوص أهمية جبال الخربة لكونها تتطلع على جميع المنافذ الصحراوية و التلية ،حيث يصف المعابر المطلة على الجنوب بمجرد الوقوف على أعلى قمة من جبال الخربة حيث قال ” أنها تطل على الجنوب من علو يفوق جميع المرتفعات والهضاب المكونة لأعالي واد أم جليل ، وكذا سهوب طاقين الواسعة وجبال أولاد نايل”.
شكلت هذه الجبال نهاية سلسلة جبال الأطلس الصحراوي و تبعد عن الخربة 160 كلم، و من هذا المنطلق فإن نظرة الأمير عبدالقادر، كانت تطمح إلى بسط نفوذه على جميع المعابر الصحراوية كما فعل قبله الرومان ، لأن التحصينات وجدها قائمة فالخط الدفاعي المستميت الذي يحتوي على سلسلة بوغار، مرورا بخربة أولاد هلال هو في حد ذاته همزة وصل بين واد أشلف إلى المنطقة الجبلية.
ثامنا:استراتيجية تنقل العاصمة:
إن خفة تنقل “مدينة الخيام” البالغ عددها 70الف نفر بما فيها القبائل التي كانت تنضم إلى الدائرة الكبرى يوميا،(6) والعشرات من المواطنين المتنقلين إليها شكلت ثقلا كبيرا على تفكير الاميرعبدالقادر وأعوانه،كان الأمير يأمرها بمغادرة المكان، كلما رأى ضرورة لذلك ، بتوجيه أوامره الى أعوانه كمصطفى بن التوهامي والقائد محمد بن علال.
إن الترحال المستمر أتعب الكثير من القبائل فأدى ذلك إلى حدوث مشاكل داخل دائرة الأمير، منها ما ذكره مصطفى بن التهامي ((… بقي أبن علال الخليفة بالمحلة ومشيت نحو الأهل…( يقصد الدائرة الكبرى العاصمة) ملتقين الخبر بالجعافرة أن أناسا من المثمرة أخذوا إبلي و من معها من أجل التعاليق و كنت أخذت من غزوا الحساسة نحو عشرين دورا القمح و الشعير فوجدت أصحابنا رجعوا من مكان بعيد كانوا نازلين فيهم اختلافا كبير فبقيت متحيرا في الجمع بين أغراضهم مرة أخوفهم بغزو الرومي و مرة من لم يوافق عقولهم ))(7).
كان جزء من عائله الامير قد لجأ الى بن زناسن بالغرب، أما الدائرة الأولى بعد مركزه كانت لصهره مصطفى بن توهامي و الميلود بن عراش خليفة الشلف السابق ،ومجموع خيمهم خمسة
وأما الدائرة الثانية بعد الأولى فكانت لدواوير محمد بن علال خليفة مليانة السابق ومحمد ولد السيد حبيب قنصل وهران ، وأما الثالثة فكانت للهشم لغرابة و الشراقة وعددهم كبير جدا كما يذكر الدكتور بالخميسي (
أما الرابعة، فقد ضمت قبائل الرحل من الهضاب و كان يتزعمها بلخروبي وبلغ مجموعها 307 دوار .
لم يكن هذا العدد الهائل من المواطنين هائما على كف عفريت ،بل كان يخضع لنضام دولة حديثة ذات معالم ومؤسسات ومرافق منها الشرطة و القضاء و المدارس القرآنية
أن تمرد بعض القبائل كان له انعكاسات سلبية على الخطط العسكرية للأمير مما أد إلى إهدار الوقت ، وتفويت فرص كثيرة على الأمير في ضرب المحتل ، ولهذا أباح الأمير أموال المتمردين حيث قال ” كل من حاول الهروب من الزماله فلكم أمواله ولي رأسه” وكان يهدف إلى منع القبائل للخضوع إلى المحتل في ضل تزايد الخيانة حيث كانت عيون المحتل تطلعهم على الاخبارالدقيقة حول تحركات الامير، وقد أنفقت الحكومات الفرنسية جهدا و مالا كبيرا لاستمالة القبائل إلى جوارهم كما فعلت بأولاد عياد .و يذكر فاليرى (9) إن “بني غراس” هجم عليهم الأمير من نواحي الأغواط و أراد ضمهم إلى الدائرة لأنهم ضلوا يرفضون الإنظمام إلى دوله الأمير
الباب السادس
حكاية نكبة الزمالة ونتائجها وأسبابها:
أولا: لحظات قبل الهجوم على الزمالة:
ثانيا :الامير يخطر بالأمر ويهاجم
ثالثا: الدوق دومالي يعترف ويقر
رابعا: بناء الزمالة من جديد
خامسا:أسـبــاب سـقـــوط الزمـالـــة. :
سادسا:اسـبــاب سـقـــوط الزمـالـــة. :
سابعا : نتائج سقوط العاصمة
أولا: حكاية النكبة
بدأ الأمير عبدا لقادر يفقد أنصاره إبتداءا من بداية سنة 1843 وأصبح منقطع التفكير مرة في تحرك وتمويل جيشه و مرة في أمر الزمالة.وقتها احكم الجنرال “بيجو” قبضته على القبائل الواقعة على خط المدية، مما سمح له الأمر في مباشرة مطاردة الامير بسهولة في هاته المنطقة، والمحفز الرئيسي الذي دفعه الى ذلك هو حصوله على تأيد رؤساء قبائل إقليم التيطري في 2 جويلية 1842 عندما أدوا له يمين الوفاء لفرنسا أمام الحاكم العام، واقتصرت مهمة “ليون روش” المكلف من قبل بيجو على ضمان حسن اختيار الأشخاص من بين المئة والخمسين شخصية الذين عينوا لاحقا كزعماء قبائل يحكمون باسم فرنسا.
و تواصلت مطاردة الفرنسيين للأمير في منطقة جبال عمور باعتبارها اكثر المناطق تحصينا والتي كان الاميرعبدالقادر ينوي إقامة عاصمته بها قبل ان يتحول الى قوجيلة معتمدا في خطته على تحطيم العواصم والحصون ( ببوقار والمدية وثنية الحد وتنس) واعتبرت الجمعية الوطنية الفرنسية خطوة بيجو مقبولة في مطاردة الامير في وقت واحد من الغرب والوسط ، باستعمال “لامورسيير” بالغرب والدوق الدومال من الوسط .
تحرك ابن الملك الدوق دومال من “بوغار” في جيش قوامه 1300 فارس و 2000 من المشاة و 300 قايد محملين عتادهم على 100دابة، فينفس الوقت الذي تحرك فيه الفرنسيون من المدية كان “الخليفة بن علال” غائبا يحارب في نواحي الونشريس و”مصطفى بن توهامي” في ونوغة و”بن الخروبي” في فليتة،
ولما تقدمت الحملة المشؤومة باتجاه الجنوب كان “يوسف العنابي” يستطلع الأخبار لصالح الدوق دومالي باعتباره عارف بسير القبائل وتواجدها، وفي طريقه أبلغه أحد القياد وأغلب الضن أنه “محمد بن فارح” بوجوب الامتناع عن مطاردة “مدينة الخيام” حيث طلب منهم الرجوع قائلا أنهم 60 ألف شخص قد يقتلونكم بالعصي ويصطادونكم كالأرانب، وطلب منه يوسف العنابي الإدلاء بالإخبار امام الدوق غير ان الدوق دومالي لم يأبه بمقاله العربي الخائن وأقسم برأس والده بأنه لن يتراجع عن غايته.
لنعود هنا الى تفحص الأماكن التى كانت الشكوك تحوم حولها، انطلاقا من ” قجيلة” كانت هي الوجهة الموالية لوجودها في الجنوب الشرقي لتيارت وغير بعيدة عن وسط سلسلة جبلية مليئة بالماء والكلأ، ففيها اقام الأمير زمالته في الشتاء وحاولوا تغيير المكان بمحو الآثار ولم ينتاب الفرنسيين شك ان مخزنا للأسلحة قد وضع في مكان خفي، وبداؤا يخططون للوجهة التي سوف يقصدها الأمير.
واستثنى من الفرضيات ما تقول انه سوف يتوجه إلى وهران، غير انه يمكن ان يتقدم إلى دوار لحرار بنواحي بن يعقوب وزنينة في الجنوب الغربي ، حتى يعتصم بجبل عمور وينشئ قاعدة أمامية تواجه وتنسحب، وهي استراتيجية محكمة لأنه يعلم ان الفرنسيين يريدون التوغل في الصحراء.
كانت الصحراء تعني لهم “الجلفة والاغواط وبسكرة، والبيض “ولم يكتشف الطابع الصحراوي لطاقين لا حقا إلا بعد مرور لامورسير بالتل.
ان الوصول إلى زمالته بالنسبة للفرنسيين هو الوقوع في مكان قريب من تحركات الأمير حسب ضنهم السابق، لان عيونهم كانت في كل مكان بخطة وضعها المرتد يوسف العنابي.
ثانيا - لحظات قبل الهجوم على الزمالة:
يمكن تصوير منظر الزمالة وهي جاثمة في أحوالها اليومية بتلك “القبيلة الكبيرة” التى كانت تتخطى شؤون الحياة اليومية في سعادة تامة وطمأنينة ،وسط حركة دؤوبة للنساء و إلاطفال و قطعان من الأغنام الهائمة خاصة و مواقد الدخان التى كانت تنطلق من كل خيمة وكأنها سفينة فضائية معلقة في الرمال، كان عدد الخيم كثير جدا.
أحس الدومالي، إن المعلومات المسربة إليه كانت في غاية الأمان، وفي صباح 16 ماي1843 وجد دومالي نفسه على مقربة من الزمالة منظمة كما يلي، ” في الصف الأول” دائرة المواجهة وبها سبعة قبائل يحرسون الزمالة وعددهم 146 دوار..والصف الثاني 205 دوارمن الهشم والقرايس والصف الثالث: 10 دواوير دوار الخليفة بن علال وعائلاته وبعض القواد أما الصف الرابع فكان لخيمة الامير وعائلته وقدر المجموع 368 دوار من 15 الى 20 خيمة.
أحصى الفرنسيون عدد القاطنين بها ب20 ألف إحصاءا تقديريا و، المقاتلون 500 من الفرسان المسنين.
* بداية النكبة
أعطى الدوق دومالي أمر الهجوم، وذلك بتقسيم موقع الزمالة إلى قسمين، خصوصا لما علم أنها خالية تقريبا من الحرس قبل ذلك كان قد أشير الى الدوق دومالي ، باستبدال الألبسة للتدليل على وصول جند الامير” السبايس” وليس الفرنسيين حتى لا تثار الفوضى،وأمر الدومالي 2000 من جنوده بارتداء الألبسة الحمراء التي كانت ترمز الى لباس خيالة الأمير، وماهي إلا ساعتين من المشي السريع، حتى كانوا على أهبة المواجهة، هناك أمر يجب الإشارة إليه هو كيف علم الفرنسيون بعدم وجود الامير ؟
بدأت أصوات السكان تنبعث ( الرومي ) ، وبعد ساعة ونصف كانت النكبة قد حدثت وقدرت فرنسا خسائر الأمير بـ 300 قتيل من الزمالة وأسر 3000 بين رجل وامرأة منهم عامل الخليفة محمد بن علال ومحمد الخروبي كاتب الامير وقدور بن رويلة و 9 قتلى من الفرنسيين وضعت أسماءهم في معلم لازال موجودا لحد ألان في نبع طاقين وهم (12 )جريح و موت 12 حصان بينما لم يتمكن العدو من أسر زوجة الأمير وأمه وولديه ( محمد ومحي الدين ) الذين هربهم أحد الخدم الأوفياء للأمير.
وليس بعض الشيوخ المعمرين كما ورد في رواية عبدا لرحمان بن محمد الجيلالي (3)
ثالثا: الأمير يخطر بالأمر … ويهاجم
كان الامير يرابط بنواحي السرسو، لقطع الطريق أمام لامورسيير وجنوده حتى بلغه الامر بالهجوم على الزمالة،كيف بلغه الأمر وماهي المدة ظهرت لنا عدة تفاسير أخذنا بحكاية حفيدة الأميرة بديعة ولكن سنذكر كل التفسيرات المتعلقة بآجال الأخطار.
عندما اخطر علما بعد 3 من النكبة دخل خيمته لبضع دقائق وجنوده في الخارج ينتظرون فخرج إليهم محفزا ” نحن جميعا ننتظر الشهادة في سبيل الله والوطن، فهنيئا لمن سبقونا ونحن نعلم ان من فقدناه من الأهل شهداء في الفردوس الأعلى ينتظرونا هناك وينبغي لنا ان لأنجبن ولا نيأس بل نكون اشد إصرارا واستعدادا لحملات جديدة لدفع الأذى عن الوطن وتلقين العدو ضربات اكثر قوة وطرده خارج تراب بلادنا ”
وقرر ان يباغت العدو وهو فارح بغنائمه ،التى سلبها من العاصمة ،المعزولة من السلاح ، هنا تذكر الأميرة بديعة (4) أنه فرق جيشه الى 3 مجموعات مجموعة تتوجه الى التلال القريبة من العاصمة ومجموعة ثانية تختبئ في الأحراش وثالثة تتجه الى عين طاقين مباشرة ولما وصل الى مقربة من الزمالة وجد جنود العدو لازالوا فرحين مثقلين بالغنائم ، ففاجأهم وعلت أصوات التكبير والبارود ، وتقدم جيشه المغوار يشتت صفوفهم وهو على رأسهم يمطرهم بوابل من الرصاص حتى تقطع برنوسه وسقط تحته جواده مضرجا بالدماء، فضن الجميع ان الامير مات وقد روت حفيدته الأميرة بديعة انه في غمرة المعركة عندما سقط جواد الامير ميتا أحاط به الفرنسيين مدافعيين عنه، من قوة إعجابهم به وعلى خلاف ما لهذه الرواية من غرابة ، إلا انه يمكن القول ان الامير نجا بأعجوبة وافتك من الأسر عامل خليفته محمد بن علال وبعض من مواطني الزمالة واسترجع بعض مانهب .
تعتبر الأميرة بديعة الوحيدة التى ذكرت في كتابها أصحاب الميمنة، رد فعل الامير في الليلة الثانية بينما ذهب الآخرون ومنهم يحي بوعزيز، ان الليلة الثالثة هي التى اخطر فيها علما ولم يتكلموا على الإطلاق على افتكاك عامل القائد محمد بن علال من الأسر.
وقدرت خسائر المسروقات التي نهبها الفرنسيون من الزمالة بمايلي:
- خيمة الأمير بأموالها كلها، وحرق مكتبته الخاصة أما الذهب و المقتنيات استولى عليها، السبايس و كل الممتلكات التي يملكها الأهالي، ” البرانس الحمراء والعباءات التي كان يستعملها القضاة والألبسة الفاخرة والمخطوطات و مئات الجمال والأبقار و 20 آلف رأس من المواشي,”
بعد 3 أيام وصل العدو الى مدينة المدية ،مثقلا بموتاه بعدما أثخنهم الامير بالجراح في “موقعة الأحراش” قرب عين طاقين، (5)وحملوا الأسرى إلى نواحي وهران، بأمر من الحاكم العام وآخرون حولوا إلى فرنسا، ولوحظ منهم عدد كبير من عائلة الأمير عبدالقادر وعماله وبعض خدمه النظاميون.وكان من الأسرى الذين بقوا عند الفرنسيين بعد معركة عين طاقين، ابن مستشار الأمير ميلود بن لطرش وعائلة محمد بن الخروبي سكرتير أول للأمير وسي لعرج إمام الزمالة وهو من الهشم الغرابة