يُفضلون البقاء مُعلّقين دون عمل ولا سفر ولا زواج.. جلّ همّهم الهروب من أداء الخدمة الوطنية. فهل أضحى "لارْمي" كابوسا عند الشباب ومُدمّرا لأحلامهم ومضيعة للوقت كما يُبرّرون، أم هو خدمة الوطن وتعلّم المسؤولية ومكابدة المشاقّ، خاصة في ظل تقديم الدولة تحفيزات مُهمّة للمُجنّدين عبر مشروع القانون المتعلق بالخدمة الوطنية المُصادق عليه شهر جوان 2014.
إذا ذُكرت كلمة "لارْمي" أمام بعض الشباب يتعوّذون ويُتمتمون ويتطيّرون وكأنّهم سمعواخبر شُؤم، ويطلبون تغيير الموضوع، أو يسألونك باهتمام عن صدور قرار يُعفي الشبابالهاربين نهائيا من أداء "لارمي". وقد فاق عدد الهاربين 160 ألف شابّ لعام 2014 حسب تقرير لوزارة الدفاع الوطني... رغم التّحفيزات التي دخلت حيّز التطبيق والقاضيةبتقليص مدة الخدمة الوطنية من 18 إلى 12 شهرا، وإقرار منحة شهرية تصل إلى 15 ألفدج للمُجندين، وإدخال المُدة في منحة التقاعد لاحقا، مع احتساب المدة خبرة مهنية للشبابطالبي الشغل، ومنحهم الأولوية في الترشح لعقود التجنيد ضمن صفوف الجيش الوطنيالشعبي... لا يزال الواجب الوطني يثير مخاوف شباب كُثر!!
"الشروق" أخذت رأي بعض المواطنين في الموضوع، حيث اكتشفنا أن غالبية من تحدثنامعهم ممّن تفوق سنهم الأربعين كان حديثهم ذا شجون، فالخدمة الوطنية بالنسبة إليهم منبين أجمل الذكريات، فتحدثوا عن حب الوطن وخدمة الشعب بالمساهمة في مشاريع تنمويةمثل السد الأخضر. "محمد. ز" من العاصمة 48 سنة تاجر يقول: "أمضيت 18 شهرا فيولاية البيّض، رغم قساوة التدريبات وبرودة المنطقة... تعلمت الكثير، قبلها كنت مدمنا علىالتدخين والكحول، لكن تواجدي في الثكنة ساعدني على الإقلاع عنهما، تعلمت تحمّلالمسؤولية واستعمال السلاح، وساهمت في مشاريع عادت بالنفع على وطني".
أما "مجيد"، 50 سنة، هناك تعرف على أصدقاء من مختلف الولايات، والدليل أن زوجتههي شقيقة صديق تعرف عليه بالخدمة الوطنية. ومما أفرزته عملية التهرب من الواجبالوطني، حسب تعبير كثيرين، هو ظهور أجيال غريبة، فظهر مصطلح "الأنانيش" الذينيُرعبهم منظر قط في القمامة، وشباب يضع الأقراط في أذنيْه ويلوّن شعره، وآخرين"يتْحَامَاوْ" للدفاع عن أنفسهم ضد رجل واحد، ويستعملون السكاكين والسّيوف والكلابلتحميهم.
أما المتهرّبون من أداء الخدمة الوطنية، فلهم مُبرّراتهم.. "كريم. ب"، من القبة، 29 سنة،بطال، أوّل ما طرحنا عليه السؤال طار فرحا وقال: "الحمد لله غير كيما جبْت كارطة الإعفاءلأني درت عملية جراحية". ولما سألناه عن سبب سعادته ردّ: "واش حبّيتي انضيّع وقتيفي لارْمي"، رغم أن كريم ـ وحسبما أخبرنا ـ عاطل عن العمل يٌمضي جل نهاره بين النوموالتجول في الأسواق "يبْريكولي"، حسب تعبيره. شاب آخر فشل في الحصول على شهادةالبكالوريا وكان بطالا، وبمجرد تسلّمه استدعاء الخدمة سارع إلى تسجيل نفسه للدراسةبجامعة التكوين المتواصل بإيعاز من الأهل حتى يتحصل على التأجيل. ويؤكد لك آخرون أنواجب الخدمة الوطنية مفروض على أبناء الفقراء، في حين يستفيد أبناء المسؤولين منالإعفاء، وفي هذه النقطة سبق أن طالب النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني سعداويأثناء طرح مشروع قانون الخدمة الوطنية، بعدم إعفاء أبناء المسؤولين لأسباب غير صحيّةمثلما ينص عليه القانون.
القيادي في الأفالان بعْجي: الخدمة الوطنية تُعوّض الجامعات الصيفية
اعتبر المحامي والقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، بعْجي أبو الفضل، أن الأشخاصالذين أدوا الخدمة الوطنية في سنوات سابقة استفادوا الكثير رغم الظروف الصعبة آنذاك،فتعلموا حرفا وساهموا في بناء وطنهم، فكانوا يخرجون فرحين بما أنجزوه رغم قلةالإمكانات، ويعتبرون أنفسهم أدّوا رسالة في حياتهم، وهو ما جعله يقترح أن تعود الخدمةالوطنية إلى سابق عهدها كأن تخصص 6 أشهر للتدريب وبقية المدة للمساهمة في مشاريعبناء الوطن.
وحسب بعجي، الخدمة الوطنية هي فرصة ثمينة لتعارف الشباب الجزائريين وتبادلهمالخبرات خاصة في ظل انحسار دور الجامعات الصيفية. وكان نواب حزب الأفلان وأثناءمناقشة مشروع قانون الخدمة الوطنية السباقين إلى اقترحوا إدراج الدور التنموي للجيشفي التعديل الدستوري المقبل، قياسا بما كان يقوم به الجيش في الجنوب الكبير والمناطقالداخلية، فدوره كان كبيرا ـ حسبهم ـ في تنمية مختلف القطاعات. واعتبر النواب أن العديدمن المشاريع توقفت منذ إدراج تعديلات في المادة 24 من دستور سنة 89 التي ألغت الدورالتنموي للجيش الوطني الشعبي.
حجيمي: السّاهر على أمن الأوطان لا يَقلّ أجرا عن السّاجد القائِم
أكّد المُنسّق الوطني لنقابة الأئمة، جلول حجيمي، أن حامي أوطانالمسلمين يُؤجر ويُثاب. وحسب قول النبي عليه الصلاة والسلام: "عينان لا تمسّهما النار، عينُ بكت من خشية الله وعينٌ باتت تحرسفي سبيل الله". فالسّاهر على أمن الأوطان والأطفال والنساءوالممتلكات لا يقل أجرا عن السّاجد القائم. وحسبه لتجنب عزوفالشباب عن أداء الخدمة الوطنية على الدولة أن توفر لهم وظائفمستقرة بعد أداء الخدمة. وأثنى محدثنا على دور الجيش في حمايةالجزائر من التصحر من خلال مشروع السد الأخضر، وكثير من المجندين تعلموا حرفااستفادوا منها مستقبلا كالحدادة والبناء واستعمال السلاح للدفاع عن الوطن.
وطالب حجيمي الشباب باحترام قيم المجتمع وعدم التهرب من الخدمة الوطنية من دون عذرطبي، مؤكدا أن بعض البلدان العربية تحرص على مراقبة الجندي عند إهمال الصلاة،وإلزامه بعدم التدخين. ويقول حجيمي: "التهرب من الخدمة باستعمال الخداع لا يجوزشرعا، لأن الرسول الكريم نهى عن ذلك في قوله: "من غشّنا فليس منا"".
نفسانيون: الدّلال الزائد من الوالدين جعل الأطفال اتّكاليّين
فسّرت رئيسة مركز البحوث التطبيقية والنفسانية، سميرة فكراش،ظاهرة عزوف الشباب عن أداء واجب الخدمة الوطنية، بالتربية التيتلقاها الشاب في أسرته، فالحماية المُفرطة للأبناء من الوالدين، تجعلالمراهق اتكاليا لا يعتمد على نفسه، فالأم في وقتنا الحاضر تنظم لهوقته في الدراسة واللعب عند الصغر، وعند كبره تتولى مهمة إيقاظهوتذكيره بواجباته، أما المدرسة والجامعة فأهملتا تنمية روح المواطنةلدى المتمدرسين، كما أن الطفل ومنذ صغره وهو يسمع أن الخدمةالوطنية إجحاف وليست واجبا وطنيا، ويرى مظاهر غريبة مثل بكاءأمّه الشديد عند توديعها شقيقه الأكبر الذاهب لأداء واجبه الوطني وكأنه مسحوبٌ إلىالسجن.
ومن جهة أخرى، الشاب الجزائري وبسبب صعوبة الحياة يطمح إلى تحقيق أهداف كثيرةمثل الوظيفة، الزواج، السكن... ويصطدم بواجب عليه أن يؤديه لوطنه، فيحسب أن نداءالخدمة الوطنية سيُضيع سنة من حياته. كما لا تزال العشرية السوداء وما خلفته من مآستؤثر على تفكير الجزائريين، فيحسبون أن ذهابهم إلى الثكنات شبيه بذهابهم إلى الموتبأرجلهم. وطالبت محدثتنا وسائل الأعلام والأسر والأحزاب والمدارس بتشجيع الشباب علىأداء واجبهم للوطن.
الهيئة الوطنية لمجندي الجمهورية: جيل التسعينات أرقى تفكيرا من جيل المعلوماتية
اعتبر رئيس الهيئة الوطنية لمجندي الجمهورية، حميد بن هبيل، أنهفي الفترة بين 1992 و1999 كانت لدى الشاب الجزائري قاعدةتربوية ثبّتها المحيط العائلي والمدرسة والمسجد، رسّخت لديه فكرة أنمستقبله مرهون بوحدة الوطن واستقراره. فالشاب آنذاك تشبّع بالقيمالأخلاقية وكان له غيرة على الوطن، فكان لا يتوانى في تلبية نداءالواجب الوطني في أحلك الظروف.
أما الآن فكثيرون استفادوا من بطاقات الإعفاء تقاعُسا عن أداء الواجبرغم تحسن الظروف في المؤسسة العسكرية، فهم يتقاضون أجرة العسكري الاحتياطي التيتساوي 10 أضعاف مما كانت سابقا. ويضيف: "أنا شخصيا عندما تخرجت من الجامعةفضلت أداء واجبي الوطني، وكنت برتبة ضابط احتياطي قائد كتيبة لمكافحة الإرهاب فيالفترة بين 1993 و1995 وعمري لا يتجاوز 23 سنة، وأعيد استدعائي سنة 1998 فيمرحلة تجنيد فرع الاحتياط في مكافحة الإرهاب ولم أندم وأشعر بفخر كبير". فالخدمةالوطنية، حسب محدثنا، هي من مظاهر الرجولة وحب الوطن، وأداؤها أحسن من تضييعالوقت أمام الأنترنت.
العقيد المتقاعد حملات رمضان: إصدار إعفاء عن الدفعات المتخلفة ساهم في العزوف عنالخدمة
تحسّر العقيد المتقاعد، رمضان حملات، للحال التي وصل إليها الشابالجزائري، الذي أصبح يرى في الواجب الوطني عبءا ثقيلا، وممّاأوصله لهذه الوضعية -حسب العقيد- قرارات الإعفاء الصادرة في حقالدفعات المتخلفة عن الواجب، وهو ما يجعل الدفعات اللاحقة تطالببدورها بالإعفاء، واستغرب حملات من عزوف الشباب عن الخدمةالوطنية، رغم توفر كل الظروف المواتية لأدائها في أحسن الظروف،عكس سنوات التسعينات، أين كان الموت يترصد المجندين من كلجانب، ومع ذلك سجلت الوحدات القتالية -حسبه- أعدادا كبيرة منالمنخرطين.
وتحدث العقيد عن غياب الدور التوعوي للجيش، "في سنوات مضت، حرص الجيش الوطنيعلى القيام بحملات توعية في المدن والقرى والمداشر، حول أهمية الواجب الوطني"،وحسب تعبيره، فالخدمة الوطنية قديما كانت مدرسة رجال، تعلمنا منها الوفاء والإخلاصللوطن، وأفرداها ساهموا في تنمية الجزائر، فبنوا السدود واستصلحوا الأراضي، وبنواقرى، وأحسن مثال، القرية الفلاحية النموذجية بالعبادلة ولاية بشار، والتي بنُيت بسواعدمنخرطي الخدمة الوطنية.
وتحدّث العقيد عن الدعاية المغرضة التي ساهمت في نشر الترويع بين الشباب، ومنها أنالجيش "حقار"، وغيرها... وكلها شائعات لا أساس لها من الصحة، كما أنه قديما كانالوالد يحضر ابنه إلى الثكنة وهو سعيد، أما الأن فهو من يشجعه على الهروب. وطالب فيالأخير بعقوبات صارمة في حق المتهربين من أداء واجبهم الوطني.
وزارة الدفاع الوطني تستدعي المولودين بين 1 جانفي و31 ديسمبر 1995
أكدت وزارة الدفاع الوطني في بيان، أن المواطنين الشباب المولودين بين 1 جانفي و31ديسمبر 1995، مُلزمون بأداء الفحص الطبي الانتقائي، المقرر في الأمر 74 -103المؤرخ في 15 نوفمبر 1974، المتضمن قانون الخدمة الوطنية.
والشباب المعنيون الذين تلقوا استدعاء، مطالبون بالتقدم في التاريخ المبين في الاستدعاءإلى مركز الخدمة الوطنية، أو مكتب الخدمة الوطنية، المنتمين إليه مرفقين بالاستدعاء،بطاقة الهوية، واحتماليا بالوثائق التي تثبت حالتهم الصحية.
أما الذين لم يتحصلوا على الاستدعاء، فيجب عليهم سحبه، سواء بالتقرب من المجلسالشعبي البلدي لمكان ميلادهم، أو من مركز الخدمة الوطنية، أو مكتب الخدمة الوطنيةالمنتمين إليه.
وحسب البيان، فالشباب المستدعون بإمكانهم إيداع ملفاتهم لدى مركز الخدمة الوطنية، أومكتب الخدمة الوطنية المنتمين إليه، في يوم إجراء الفحص الطبي الانتقائي، للاستفادة منالتأجيل أو الإعفاء.
[rtl]في حين، أن كل مواطن لا يستجيب للاستدعاء من أجل إجراء الفحص الطبي الانتقائي،سيُعتبر كغائب لائق للخدمة الوطنية، ويُعلن مؤهّلا تلقائيا، وبناء على ذلك، لا يمكنهالاستفادة من التأجيل أو الإعفاء، وسيستدعى لأداء التزاماته مع الدفعات التابعة.[/rtl]