الدكتور مسعود فلوسي
تمثل الوحدة
الوطنية عاملا مهما من عوامل الالتقاء بين الجزائريين، وأساسا مكينا من أسس
بقاء كيانهم واستمرار وجودهم التاريخي والحضاري.. لذلك كانت هذه الوحدة
هدفا مقصودا عمل الاستعمار على تحطيمه وتبديده، وسخر لذلك كل أجهزته
وأرصدته، ولا تزال القوى المعادية للأمة الجزائرية تعمل على تحطيم وحدتها
الوطنية وتشتيتها إلى عصبيات وعرقيات يصارع بعضها البعض وتفرق بينها أسباب
التناحر والعداء..
ولسنا هنا بحاجة إلى ذكر الكثير من المخططات
والمحاولات والمؤامرات التي حيكت وتحاك لإسقاط الوحدة الوطنية، لأنها
الحاجز المنيع أمام أي انتهاك لحرمة الوطن، والحامي لثرواته وطاقاته
وخيراته التي يريد الكثير من الأعداء الاستيلاء عليها والاستئثار بها.
واليوم،
إذ يعاني مجتمعنا من هذه الأزمة الشاملة التي باتت تهدد كيانه وتعمل على
تحطيم مستقبله، خاصة وقد استغلتها بعض الأصوات الناعقة هنا وهناك منادية
ببعض الدعوات التي لا نتيجة لها سوى تقويض الوحدة الوطنية وبث أسباب الفرقة
والشقاق بين الجزائريين، مدعومة بقوى أجنبية فاعلة لا يخفى عداؤها للشعب
الجزائري وعملها المستمر على تشتيت كيانه.. نحن بحاجة ماسة إلى إعادة
التفكير في مقومات وحدتنا الوطنية واستدعائها من جديد إلى بؤرة الشعور
الجمعي لأفراد المجتمع، حتى نضمن لها الاستمرارية في النفوس والأرواح قبل
الواقع والأوضاع.
هذه الدراسة قراءة في فكر رجل بذل جهودا قصوى في
سبيل حماية الوحدة الوطنية، منطلقا من وعي عميق بأهمية هذه الوحدة، وإدراك
لضرورة كل مقوم من مقوماتها.. إنه رائد الحركة الإصلاحية الحديثة في
المجتمع الجزائري، الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.. الذي مثل
الحفاظ على الوحدة الوطنية أحد أبرز محاور العمل الإصلاحي الذي قاده في
واقع المجتمع الجزائري خلال النصف الأول من القرن الماضي.
1 ـ موقع الوحدة الوطنية بين اهتمامات ابن باديس:
ابن
باديس رجل إصلاح وتغيير، قبل أي شيء آخر، ومن طبيعة المصلح الاجتماعي أن
لا يقصر جهده التغييري والإصلاحي على جانب معين من جوانب الحياة دون بقية
الجوانب الأخرى، بل يمد نظره إلى كل المجالات سعيا إلى إصلاحها وتغيير
أحوالها نحو الأفضل والأحسن. لذلك نجد المصلحين عادة ما يسلكون مناهج شاملة
ذات أبعاد فكرية وحضارية عامة. ومن هؤلاء إمام الجزائر ورائد حركتها
الإصلاحية في النصف الأول من هذا القرن الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس
رحمه الله، الذي قاد حركة إصلاحية شاملة استهدفت تغيير حياة الجزائريين
ونقلهم من حال إلى حال.
من هنا نجد أن اهتمام الشيخ رحمه الله
بالوحدة الوطنية يندرج ضمن اهتمام أكبر يمتد ليشمل دائرة أوسع.. اهتمام
يتعلق أساسا بانتشال أمة غارقة في أوحال الجهل والتخلف والاستعباد، والعمل
على الارتفاع بها إلى مستوى تشعر معه بأهميتها وحقوقها ومكانتها بين الأمم.
فقد ولد ابن باديس رحمه الله في سنة 1889م، أي قبل بداية هذا القرن بأكثر
من عقد من الزمن، وقد تفتح وعيه في بداية القرن العشرين على واقع مؤسف
يعيشه المجتمع الجزائري، واقع أبرز ما يميزه هو الاستغلال الفظيع الذي كان
يتعرض له الجزائريون من قبل المعمرين الفرنسيين من جهة، ومختلف أساليب
التجهيل التي تمارس على هؤلاء الجزائريين من قبل الإدارة الفرنسية لكي
تبقيهم على وضع من الغفلة والذهول التام عن حقوقهم ومصالحهم التي سطت عليها
وأرادت أن تحافظ عليها وإلى الأبد، من جهة ثانية..
ولكي يُبْقِيَ
الاستعمارُ الفرنسي على هذه الوضعية التي أحاط بها الجزائريين، عمل بوسائل
مختلفة وفي مجالات متعددة على تحقيق هذا الهدف.. وكان من أهم الوسائل التي
سلك عليها؛ تأجيج أسباب الفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع الجزائري، بإثارة
النعرات العرقية والجهوية واللغوية، والعمل على حمل الجزائريين على
الاشتغال بها والغفلة عن غيرها من القضايا المصيرية التي كان الاستعمار
يعمل جاهدا لاستمرار غفلتهم عنها. يقول ابن باديس في وصف هذه الوضعية:
"لقد كان هذا العبد (يتحدث عن نفسه) يشاهد قبل عقد من السنين هذا القطر
قريبا من الفناء، ليست له مدارس تعلمه، وليس له رجال يدافعون عنه ويموتون
عليه. بل كان في اضطراب دائم مستمر، ويا ليته كان في حالة هناء، وكان
أبناؤنا يومئذ لا يذهبون إلا إلى المدارس الأجنبية التي لا تعطيهم غالبا من
العلم إلا ذلك الفتات الذي يملأ أدمغتهم بالسفاسف، حتى إذا خرجوا منها
خرجوا جاهلين دينهم ولغتهم وقوميتهم، وقد ينكرونها" .
ولأن ابن
باديس رحمه الله قد وصل بتأملاته في واقع المجتمع الجزائري،، إلى أن هذا
المجتمع أصبح كيانه مهددا بالذوبان والفناء.. فإنه عمل على انتشال هذا
المجتمع من هذه الوضعية، وذلك بالسعي لإنقاذ الشخصية الجزائرية مما سقطت
فيه من ضياع وانهيار حضاري شامل على كافة المستويات. وهذا العمل لم يكن
ليتم إلا بالعمل على إحياء ما تبقى من مقومات هذه الشخصية، وكان لابد له أن
يكافح على أكثر من مستوى، وفي أكثر من مجال.. وكان من بين هذه المجالات؛
مجال الوحدة الوطنية الذي عمل فيه بكل ما يستطيع من جهد وقوة، بغية الحفاظ
على وحدة الشعب الجزائري، التي هي السبيل إلى أن يبقى هذا الشعب في منأى عن
الذوبان في مخططات فرنسا وتدابيرها.
فالشيخ الإمام رحمه الله كان
يدرك جيدا أن الفرد لوحده لا يستطيع أن يقيم لنفسه كيانا، ولا يستطيع أن
يدافع عن مصالحه ويحقق حاجاته إلا في إطار جماعة تربطه بغيره من بني وطنه
وأمته، ذلك أن "الارتباط بالجماعة والتعاون معها يضاعف مقادير القوة، لأن
القوة المجتمعة تصمد أمام القوى الأخرى المعادية، بخلاف القوى الانفرادية
المتناثرة أو القوى المجزأة، فإن أية قوة معادية تستطيع الظفر بها، والتغلب
عليها والتحكم بمقاديرها" .
لذلك عمل رحمه الله على إحياء الوحدة
الوطنية بين الجزائريين وتنميتها من خلال إحياء المقومات المشتركة التي
تجمع بينهم ويتكون منها كيانهم .
2 ـ مفهوم الوحدة الوطنية في فكر ابن باديس:
يعتبر
ابن باديس رحمه الله، أن الوحدة هي العامل الأساس في تحصيل القدرة على
إقامة الكيان الحضاري للأمة أو المجتمع وبنائه وتمكينه من الوقوف في وجه
محاولات الإسقاط والتبديد. وهو ينطلق في حديثه عن الوحدة من اعتبارها فريضة
دينية، يطالب المؤمنون بإقامتها في حياتهم وفي علاقاتهم، دون أن يكون لهم
في ذلك خيار.
يقول رحمه الله: "الواجب على كل فرد من أفراد
المؤمنين أن يكون لكل فرد من أفراد المؤمنين كالبنيان في التضام والالتحام،
حتى يكون منهم جسد واحد، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: (مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .....
ألا ترى البنيان كيف
يتركب من الحجارة الكبيرة، والحجارة الصغيرة، والمواد الأخرى التي تلحم بها
الحجارة وتكسى، وكل ذلك محتاج إليه في تشييد البنيان، فكذلك مجتمع
المؤمنين فإنه متكون من جميع أفرادهم على اختلاف طبقاتهم، فالكبير والجليل
له مكانه، والصغير والحقير له مكانه، وعلى كل واحد أن يسد الثغرة التي من
ناحيته، مع شعوره بارتباطه مع غيره من جميع أجزاء البنيان التي لا غناء لها
عنه، كما لا غناء له عن كل واحد منها، فكل واحد من المؤمنين عليه تبعته،
بمقدار المركز الذي هو فيه، والقدرة التي عنده، ولا يجوز لأحد وإن كان أحقر
حقير أن يخل بواجبه من ناحيته، فإنه إذا أزيل حجر صغير من بنيان كبير دخل
فيه الخلل بمقدار ما أزيل، وإذا ابتدأ الخلل من الصغير تطرق للكبير" .
ويستخلص
الإمام من التاريخ الإسلامي العبرة في هذا المجال، مؤكدا أن السماح لأسباب
الفرقة والخلاف أن تسري في الدائرة الاجتماعية للأمة سيفضي لا محالة إلى
انهيار هذه الأمة وتحطمها وذهاب أمرها.
فيقول بعد تحليلٍ أبْرَزَ
فيه ما كان عليه المسلمون في تاريخهم وكيف آل حالهم إلى ما هم عليه من
انهيار واندثار، نتيجة تنازعهم وصراعاتهم على الأهواء والشهوات والعصبيات:
"لقد كان افتراقهم السبب الأول الأقوى لجميع البلايا والمحن الداخلية
والخارجية التي لحقتهم في جميع أجيالهم أيام قوتهم وأيام ضعفهم، وأن
تاريخهم لعبرة، وأن في أنبائهم لمزدجرا".
ثم يوجه الخطاب إلى
الجزائريين، قائلا: "حق علينا ـ معشر الجزائريين ـ اليوم أن نتدبر تلك
العبر، وأن نزدجر عما في مصائب الفرقة من خطر" .
ويقول في موضع آخر:
"علينا أن نعتقد بقلوبنا أن الاتحاد واجب أكيد، محتم علينا مع جميع
المؤمنين، وأن فيه قوتنا وحياتنا، وفي تركه ضعفنا وموتنا، وأن نعلن ذلك
بألسنتنا في كل مناسبة من أحاديثنا، وأن نعمل على تحقيق ذلك بالفعل
باتحادنا وتعاوننا مع إخواننا في كل ما يقتضيه وصف الإيمان الجامع العام" .
ومع
أن ابن باديس لا يخص خطابه ـ في كثير من الأحيان ـ بالجزائريين، بل يتحدث
عن المؤمنين بوجه عام، إلا أن المتأمل سيدرك بسهولة أن أول المؤمنين
المخاطبين هم الجزائريون، هؤلاء الذين يَعتبر ابنُ باديس نفسَه مسؤولا عن
تعليمهم ودعوتهم وإرشادهم ومحاولة انتشالهم من الوضعية التي يتقلبون في
بأسائها وضرائها.
وذلك واضح كل الوضوح في وصية الإمام إلى المسلم
الجزائري، إذ يقول له فيها: "حافظ على حياتك، ولا حياة لك إلا بحياة قومك
ووطنك ودينك ولغتك وجميع عاداتك".
لذلك يمكننا أن نقول: إن الوحدة
الوطنية في نظر ابن باديس هي اتحاد الجزائريين وتعاونهم فيما بينهم لإنقاذ
وطنهم وتحرير أرضهم وبناء مجتمعهم، بحيث يشعر كل منهم بواجبه تجاه وطنه
وبني وطنه، دون أن يكون حبه لوطنه دافعا له إلى كراهية الأوطان الأخرى، أو
يكون حبه لبني قومه دافعا له لبغض أبناء الأمم والأوطان الأخرى.
فلا
ضير أن تؤمن بوطنيتك الجزائرية، وتشعر بالاحترام لبقية الإنسانية، وفى هذا
يقول ابن باديس: "إننا نحب الإنسانية ونعتبرها كُلا، ونحب وطننا ونعتبره
منها جزءا، ونحب من يحب الإنسانية ويخدمها، ونبغض من يبغضها ويظلمها.
وبالأحرى؛ نحب من يحب وطننا ويخدمه، ونبغض من يبغضه ويظلمه. فلهذا نبذل
غاية الجهد في خدمة وطننا الجزائري وتحبيب بنيه فيه، ونخلص لكل من يخلص له،
ونناوئ كل من يناوئه من بنيه ومن غير بنيه" .
ولا شك أن من أبسط
المفاهيم المتفرعة عن الوحدة والاتحاد؛ التعاون فيما بين أفراد المجتمع
وتناصرهم على أعدائهم أولا، ثم الحذر من أي محاولة يحاولها أولئك الأعداء
لتقويض هذه الوحدة، فيحاولون الدخول من النافدة حين يعجزون عن الدخول من
الباب، وذلك بواسطة إثارة النعرات التي من شأنها أن تحيل الوحدة إلى فرقة،
والاتحاد إلى تنازع وصراع .. وإننا نحن الجزائريين لفي حاجة ـ اليوم أكثر
من أي وقت مضى ـ إلى الانتباه إلى هذه القضية، واستحضار الخطر الكبير الذي
سينجر حتما إذا ما غفلنا عن أساليب الأعداء ومحاولاتهم المستمرة لتقسيم
كياننا الوطني وإثارة النعرات الجهوية واللغوية التي لا هدف لها سوى تقويض
هذه الوحدة الوطنية التي نعتز بها ونعمل على تمتينها واستمرارها، وإن لنا
في هذا أسوة بإمامنا ابن باديس الذي تفطن إلى دسائس الاستعمار في هذا
الإطار فعمل على مواجهتها قبل أن يستفحل أمرها ويعم خطرها.
3 ـ دعائم الوحدة الوطنية في نظر ابن باديس:
تقوم
الوحدة الوطنية في نظر ابن باديس رحمه الله على جملة من الدعائم والأركان،
هذه الأركان في حقيقتها، ليست سوى دعائم الشخصية الوطنية ومكوناتها
الأساسية، وهي الدين واللغة العربية والوطن والتاريخ والمصير المشترك.
وقد
جمع ابن باديس هذه المقومات في كلمة جامعة له فقال: "تختلف الشعوب
بمقوماتها ومميزاتها كما تختلف الأفراد. ولا بقاء لشعب إلا ببقاء مقوماته
ومميزاته كالشأن في الأفراد. فالجنسية القومية هي مجموع تلك المميزات
والمقومات. وهذه المقومات والمميزات هي اللغة التي يعرب بها ويتأدب
بآدابها، والعقيدة التي يبني حياته على أساسها، والذكريات التاريخية التي
يعيش عليها وينظر لمستقبله من خلالها، والشعور المشترك بينه وبين من يشاركه
في هذه المقومات والمميزات" .
وهذه المكونات هي الأهداف الكبرى
التي عمل ابن باديس على رعايتها وخدمتها ـ كلها مجتمعة وعلى درجة واحدة من
الأهمية ـ في كفاحه التربوي والعلمي الذي خاضه في النصف الأول من القرن
الماضي.
والمتأمل في ما قام به ابن باديس من أعمال وما تركه من
مقالات وآثار سيجد أن "الاهتمام بالنضال من أجل الوطن والدين واللغة واضح
في كل أعماله وخطبه ومقالاته، ثم إن الربط بين هذه العناصر المتكاملة
واعتبارها شيئا واحدا ظاهر كذلك في أفكاره وأعماله وبرامجه، لأنه لا يتصور
أن الإسلام مفصول عن اللغة العربية، وأن هذه الأخيرة مفصولة عن القرآن
والإسلام، كما لا يتصور الجزائر باعتبارها وطنا عربيا إسلاميا مفصولة عن
هذين العنصرين ... فالدين واللغة والوطن عناصر لشيء واحد هو الشخصية
الوطنية التي لا يمكن أن ينظر إليها من جانب واحد فقط ... والشيء الذي كان
يدور في ذهن الإمام حين أطلق شعاره المعروف: (الإسلام ديننا، والعربية
لغتنا، والجزائر وطننا)، هو أن الشيء الذي يُبذل في هذا المجال يجب أن
يستهدف تحرير الشخصية الوطنية مما علق بها، وتخليصها من مظاهر الزيف
والتشويه، وتحديد سماتها البارزة، وإعادة الاعتبار لها حتى تزدهر وتنمو،
وتعود لها هيبتها وقدرتها على العطاء...
ومن ثم، فالفصل بين عناصر
الشخصية الوطنية، هو نوع من الفصل المصطنع بين مكونات الشيء الواحد الذي
إذا سقط منه عنصر ذهبت حقيقته، وتلاشت ماهيته" .
ونقدم فيما يلي، كلمة مختصرة عن كل واحدة من هذه المقومات المكونة للوحدة الوطنية في نظر ابن باديس :
أ ـ الوحدة الدينية الإسلامية:
يمثل الإسلام المقوم الأول للشخصية الوطنية الجزائرية، إذ أن هذا المقوم
يعود ـ في تاريخه ـ إلى أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، دخل خلالها هذا
المقوم إلى أعماق النفس الجزائرية، وسرى في الدم واللحم والعظم، وامتزج
معها امتزاجا كليا .. هذا الإسلام كان دائما خلال هذا المسار التاريخي
الطويل هو مظهر هذه الأمة ولباسها وهويتها التي تتمظهر بها بين الأمم
وتُعرف بها بينها.. ولأجل الحفاظ على هذه الهوية ظل المجتمع الجزائري يقاوم
خلال هذا المسار الطويل.
لذلك فإن الإسلام يعتبر عامل الوحدة
الوطنية الأولى، إذ يملك من أسباب الجمع والتوثيق بين الأفراد الرصيد
الأعظم، فتعاليمه كلها تدور حول التعاون والتآزر والتناصر والأخوة
المتبادلة بين أفراد المجتمع .. تلك القيم التي من شأنها أن تزيد في ارتباط
الجزائريين بعضهم ببعض، وتدعم تناغمهم وتعاونهم على النهوض بوطنهم وحماية
مقومات شخصيتهم .
ولا يعني اعتبارُ ابن باديس الإسلامَ مقوم الشخصية
الوطنية الأول؛ أن هذا الإسلام حكر على الجزائريين دون غيرهم، أو أن
للجزائريين إسلامهم الذي يختلف عن إسلام بقية الشعوب الإسلامية الأخرى،
وإنما المقصود من اعتبار ابن باديس للإسلام أحد مقومات الشخصية الوطنية، هو
أن هذا الإسلام هو المنوط به حفظ هذه الشخصية "من الانحلال ومحاولات المسخ
والدمار التي حاولها الاستعمار لتدمير كياننا الروحي والحضاري.. وبجعله ـ
أي ابن باديس ـ الإسلام إحدى مقومات شخصيتنا، كان يهدف إلى الإبقاء على هذا
الكيان الصغير ـ الجزائر ـ محفوظا سليما في هذه البقعة المتغيرة من الأرض،
ضمن الكيان الإسلامي الكبير الذي لا يعرف له حدودا سوى حدود العقيدة من
مطلع الشمس إلى مغربها" .
لذلك نجد ابن باديس يدعو الشعب الجزائري
إلى الالتفاف حول جمعيته، باعتبارها العاملة على الحفاظ على إسلامه وعروبته
وسائر مقوماته، ويحذره من الاستماع إلى أولئك الذين ينعقون في كل مكان
متهمين الجمعية بما ليس فيها من أوصاف ومحملين لها ما لم تقترفه من
الأعمال. فيقول: "أيها الشعب الجزائري الكريم .. قد بينت لك جمعيتك حقيقة
الموقف وحرجه، وكشفت لك شيئا مما تعانيه أنت وتعانيه هي من الأقرباء
والبعداء، وهي تدعوك إلى التبصر والتثبت والاتحاد والتجمع والتنبه والتيقظ،
وتحثك على الاعتماد على الله وحده، ثم على نفسك والصادقين من أبنائك، وما
الصادقون إلا الذين يحافظون بأقوالهم وأعمالهم ومواقفهم على إسلامك وعروبتك
وجميع مقوماتك، ويناضلون بالنفس والنفيس عن جميع حقوقك" .
إن
الإسلام، إذن، هو المصل الواقي الذي يقي مجتمعنا الجزائري ويلات التشتت
والانهيار، ويساهم في استمرار الشعور الجمعي بالوحدة بين أفراد المجتمع
الجزائري، استمرارا متصاعدا، يقوى ويترسخ مع مر الأيام.
لذلك وجدنا
ابن باديس رحمه الله، وهو يؤدي عمله الإصلاحي في واقع المجتمع الجزائري،
يحرص على استمداد منهجه في العمل من تعاليم الإسلام ووصاياه، ويقول رحمه
الله في تعليل اختياره للمنهج الديني في الإصلاح:
"إننا اخترنا
الخطة الدينية على غيرها، عن علم وبصيرة، وتمسكا بما هو مناسب لفطرتنا
وتربيتنا من النصح والإرشاد، وبث الخير والثبات على وجه واحد والسير في خط
مستقيم. وما كنا لنجد هذا كله إلا فيما تفرغنا له، من خدمة العلم والدين،
وفي خدمتهما أعظم خدمة وأنفعها للإنسانية عامة" .
ب – الوحدة اللغوية:
وكما يمثل الإسلام عاملا من عوامل الوحدة الوطنية ومقوماتها، فإن اللغة
العربية لا تقل أهمية في هذا الإطار، إذ تضيف إليه عاملا آخر يزيد في قيمته
وقوته، فهذا الإسلام نفسه لا يمكن فهم نصوصه وإدراك تعاليمه إلا بتعلم هذه
اللغة وإتقان فهمها والحديث بها. ويبرز ابن باديس دور اللغة في توحيد كيان
الأمة، فيقول: "... تكاد لا تخلص أمة من الأمم لعرق واحد، وتكاد لا تكون
أمة من الأمم لا تتكلم بلسان واحد، فليس الذي يكون الأمة ويربط أجزاءها
ويوحد شعورها ويوجهها إلى غايتها هو هبوطها من سلالة واحدة، وإنما الذي
يفعل ذلك هو تكلمها بلسان واحد".
فاللغة العربية هي العامل الجامع
بين الجزائريين على اختلاف أعراقهم وتنوع لهجاتهم، وبها وحدها يستطيعون أن
يتفاهموا ويتخاطبوا فيما بينهم، دون أن يضطر أي منهم إلى أن يسأل الآخر عما
يقصده من حديثه.
وهذه اللغة، إلى جانب الإسلام، هي العامل الذي
يجمع ماضي الجزائر وحاضرها ومستقبلها. يقول ابن باديس في هذا الصدد: "لا
رابطة تربط ماضينا المجيد بحاضرنا الأغر والمستقبل السعيد، إلا هذا الحبل
المتين: اللغة العربية، لغة الدين، لغة الجنس، لغة القومية، لغة الوطنية
المغروسة.. إنها وحدها الرابطة بيننا، وبين ماضينا، وهي وحدها المقياس الذي
نقيس به أرواحنا بأرواح أسلافنا، وبها يقيس من يأتي بعدنا من أبنائنا
وأحفادنا الغر الميامين أرواحهم بأرواحنا، وهي وحدها اللسان الذي نعتز به،
وهي الترجمان عما في النفس من آلام وآمال" .
فاللغة العربية ـ في
نظر ابن باديس ـ تمثل التاريخ الذي نسج حياة الجزائر الثقافية، ومزج بين
عناصرها، وصنع من ذلك كله كيانا واحدا موحدا أبوه الإسلام وأمه الجزائر
ولسانه العربية، ولا يمكن لهذا المجتمع إلا أن ينظر إلى اللغة العربية على
أنها تاريخه الحي الذي يطلعه على تراثه ويصله بجهود أمته وجهادها .
ولا
يرى ابن باديس أي تعارض بين أن يكون الجزائري أمازيغيا، وأن يكون لسانه
ناطقا باللغة العربية، بل إنه يعتبر هذا دليلا على أصالة الشعب الجزائري
وارتباطه الوثيق بعقيدته الإسلامية ولغته العربية.
فالشعب
الجزائري، وإن كان يتكون من أكثر من عنصر إنساني، إلا أن الامتزاج التام
بين هذه العناصر منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، والاتحاد الحاصل في العقيدة
واللسان يقطع الطريق على كل متقول أو شاك في عروبة الجزائر ووحدتها
اللغوية، وينفي كل زعم يحاول صاحبه تفتيت هذه الوحدة .
ولدحض كل
الشبهات والأقاويل، يورد ابن باديس الحديث الشريف الذي يقول: (ليست العربية
بأحدكم من أب أو أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي) ..
وسبب ورود الحديث أن أحد المنافقين نفى العربية عن سلمان الفارسي وصهيب
الرومي وبلال الحبشي رضي الله عنهم جميعا .. وهكذا فالجزائريون جميعا عرب
بمقتضى كونهم مسلمين أولا، وبمقتضى نطقهم بلغة دينهم العربية ثانيا.
إن ابن باديس بهذا يفند محاولات أولئك الذين يعملون اليوم على انتقاص
المساحة التي تتحرك عليها اللغة العربية من كل أطرافها، إن على الصعيد
الاجتماعي أو الصعيد الإداري، بدعوى العمل على التمكين للأمازيغية.. وهم في
الحقيقة لا يريدون إلا أن يمكنوا للغة الفرنسية، لغة الاستعمار
والمستعمرين، أما الأمازيغية المسكينة فليست سوى قميص عثمان الذي يستعمل
للدعوى والاعتراض.. وقد دلت كل أعمال وأقوال هؤلاء على هذه الحقيقة
الساطعة، التي تتجلى على ألسنتهم حين يتحدثون إلى شعب عربي أمازيغى بلغة
فرنسية، فهل شعبنا الأمازيغي يفهم الفرنسية ولا يفهم العربية؟!!..
ج ـ وحدة الموطن:
فالجزائريون
يشتركون في انتمائهم جميعا إلى وطن واحد هو الجزائر، وهذه الوحدة في
الانتماء تكفي في إنهاء كل أسباب التفريق والتمييز فيما بينهم، وتسهم في
ربط أواصر اللقاء والتعاون بين شرائحهم.
ولقد رأى ابن باديس أنه
لتأجيج الشعور بالوحدة الوطنية بين الجزائريين، ينبغي تأجيج الشعور قبل ذلك
بوحدة الانتماء إلى الوطن الواحد والأرض الواحدة وإن اتسعت أطرافها وامتدت
مناطقها. لذلك كان الشيخ رحمه الله لا يفتأ يذكر طلبته الذين كانوا
يُقبلون من مختلف مناطق الجزائر، بضرورة التعارف والتفاهم والتعاون حتى
يربوا على ذلك أبناءهم وتلامذتهم عندما يكونون معلمين، وقد قال لطلبته
يوما:
"إن وطننا الجزائر واسع الأطراف، متعدد المناطق والبيئات،
حتى كاد يستقل بعضها عن بعض، فوجب علينا أن نربط بين حاضرته وباديته بما
لدينا من وسائل الاتصال حتى نقرب بينها تقريبا يجعل المواطنين يتعارفون
ويتعاونون كأبناء وطن واحد. وإن من جملة الوسائل التي تساعد على تحقيق هذا
الهدف في مطلع نهضتنا العلمية؛ هذه الحلقاتُ التي استطاعت بفضل الله أن
تجمعكم من عدة جهات، لا فرق بين من قدِموا إليها من الحواضر وبين من قدِموا
من البوادي، وإني لأكون فرحا مغتبطا حينما ألتفت حولي فأجد أبناء الصحراء
بجنب أبناء الجبال وأبناء الحاضرة بجنب أبناء البادية، والجميع قد جمعتهم
هذه الحلقات العلمية في صعيد واحد، لا فضل لأي منهم على الآخر إلا
بالاجتهاد والعمل" .
ولا يكتفي الإمام ابن باديس بتأكيد أسباب
اللقاء بين الجزائريين من خلال اجتماعهم في موطن واحد، بل يضيف إلى ذلك
العمل على غرس حب هذا الوطن في النفوس حتى تشب على الإحساس بالواجب تجاهه
وتعمل مشتركة متعاونة على حمايته والحفاظ عليه.
ومن كلماته في هذا الإطار:
"إنما
ينسب للوطن أفرادُهُ الذين ربطتهم ذكريات الماضي ومصالح الحاضر وآمال
المستقبل، والنسبة للوطن توجب علم تاريخه، والقيام بواجباته، من نهضة علمية
واقتصادية وعمرانية، والمحافظة على شرف اسمه وسمعة بنيه، فلا شرف لمن لا
يحافظ على شرف وطنه، ولا سمعة لمن لا سمعة لقومه" .
وقد أعطى ابن باديس المثل من نفسه حين أعلن أنه يعيش للإسلام وللجزائر، فقال:
"أما الجزائر فهي وطني الخاص الذي تربطني بأهله روابط من الماضي والحاضر
والمستقبل بوجه خاص، وتفرض علي تلك الروابط لأجله ـ كجزء منه ـ فروضا خاصة،
وأنا أشعر بأن كل مقوماتي الشخصية مستمدة منه مباشرة. فأرى من الواجب أن
تكون خدماتي أول ما تتصل به من شيء تتصل به مباشرة. وكما أنني كلما أردت أن
أعمل عملا وجدتُني في حاجة إليه، إلى رجاله، وإلى ماله، والى حاله، وإلى
آلامه، وإلى آماله، كذلك أجدني إذا عملت قد خدمت بعملي ناحية أو أكثر مما
كنت في حاجة إليه" .
ولا يعني هذا أن ابن باديس رجل متعصب لبني
قومه، غافل عن بني أمته الآخرين، منغلق على وطنه الصغير المحدود الجزائر،
دون وطنه الكبير وطن الإسلام والمسلمين.. فالرجل لم يكن يخدم وطنه فحسب،
وإنما كان يريد أن يخدم الإنسانية كلها لو استطاع، ولكنه رأى أن الطريق إلى
ذلك إنما تبدأ من خدمة وطنه وبني قومه، ثم إن تمكن بعد ذلك مد عمله ليشمل
الإنسانية كلها في مختلف شعوبها وأقطارها. يقول ابن باديس في هذا الشأن:
"الإخلاص أن تعمل لوطنك ولو أنكرك وأنكر عملك أبناءُ وطنك، وتكريسُ العمل
أن تكون جميع أعمالك عائدة بالخير على وطنك، فتستطيع أن تنفع الناس كلهم
دون أن تضر بوطنك، فتكون قد خدمت وطنك بما زرعت له من محبة في قلوب من
أحسنت إليهم من الناس.. فحِبَّ وطنك ولا تُبغض أوطان الناس، انفع وطنك ولا
تضر أوطانا أخرى، بل اجتهد لأن تكون مصدر محبة شاملة ونفع عام" .
إن
هذه الروح الوطنية الدافقة التي كان يفيض بها قلب ابن باديس وتظهر في
سلوكاته وتصرفاته ودعواته في دروسه ومحاضراته، هي التي نفتقد إليها اليوم
في حركتنا الحياتية داخل هذا الوطن الكبير الذي نعيش فيه، فلقد انعدمت هذه
الروح من النفوس أو تكاد، وأصبح هم كل واحد هو العمل لما فيه مصلحته
الخاصة، والسعي بكل وسيلة لتحقيقها وتحصيلها، دون النظر إلى ما يمكن أن
ينتج عن ذلك من هدم للمصلحة الوطنية العامة.. والخطر كل الخطر في تضخم
الـ"أنا" الفردي على حساب الـ"نحن" الجماعي، لأن الفردية لا تصنع إنسانا
سويا، بقدر ما تحوله إلى وحش كاسر لا يلوي في سبيل تحقيق مصلحته الخاصة على
شيء .
د ـ التاريخ المشترك:
تجمع بين
الجزائريين ذكريات تاريخية مشتركة تعود إلى مئات السنين.. ذكريات عايشوا
معها السراء والضراء، وكانوا في الحالين دائما مشتركين، متآزرين متعاونين..
وأعظم هذه الذكريات تلك التي جمعتهم على الدفاع عن بلادهم والمنافحة عن
مقومات شخصيتهم، في وجه الحملات العدائية التي ظلت تُشن على الجزائر عبر
التاريخ، مستهدفة تحطيم كيانها والاستيلاء على خيراتها، وإنهاء وجودها
التاريخي والحضاري.
لذلك فإن هذه الذكريات تمثل عامل جمع وتوحيد،
وينبغي على الجزائريين أن يتخذوا منها وسيلة إلى بناء حاضر مشترك ينعمون
فيه جميعا بالخير والرفاهية، ويأملون معا في مستقبل مشترك يجمعهم أيضا على
الخير والسعادة.
ويعتبر ابن باديس أن الذكريات التي جمعت
الجزائريين هي تلك المتصلة بالإسلام والعربية، فمنذ أن دخل الإسلام هذه
الأرض، ومنذ أن نطقت ألسنة البربر بالعربية، منذ ذلك الحين بدأ تشكل الكيان
الجزائري الذي انتهى إلى ما هو عليه الآن.
ولا يعني هذا أن ابن
باديس يقول بذوبان أمازيغية الشعب الجزائري ضمن العروبة، فهو "يؤكد أنه ليس
هناك من ينكر أن الأمة الجزائرية "كانت أمازيغية من قديم عهدها"، وأن جميع
الأمم التي اتصلت بها لم تستطع "أن تقلبها عن كيانها" ولم "تخرج بها عن
أمازيغيتها أو تدمجها في عنصرها، بل كانت هي التي تبتلع الفاتحين فينقلبون
إليها ويصبحون كسائر أبنائها".
فهو يقرر الأصل البربري الأمازيغي
للجزائر، دون أن يحاول إنكاره أو تجاهله كما يفعل الآخرون، إلا أنه لا يلبث
أن يقرر حقيقة أخرى لا يستطيع أن ينكرها أيضا، وهي أن الأمازيغ من أبناء
الوطن الواحد دخلوا "في الإسلام وتعلموا لغة الإسلام العربية طائعين،
فوجدوا أبواب التقدم في الحياة كلها مفتوحة في وجوههم، فامتزجوا بالعرب
بالمصاهرة، وقاسموهم في مجالس العلم وشاطروهم في سياسة الملك وقيادة
الجيوش، وقاسموهم كل مرافق الحياة، فأقام الجميع صرح الحضارة الإسلامية".
وهكذا أصبحوا شعبا واحدا "متحدا غاية الاتحاد، ممتزجا غاية الامتزاج، وأي
افتراق يبقى بعد أن اتحد الفؤاد واتحد اللسان".
وهكذا يحلل ابن
باديس التفاعل الذي تحقق من امتزاج العرب والبربر في ظل الإسلام، ويؤكد
بصريح العبارة مساهمة الأمازيغ إلى جنب العرب في بناء صرح الحضارة
الإسلامية، فاستحقوا بنوتها على قدم المساواة دون تفرقة أو تمييز" ..
إن هذه الجوانب الإيجابية في الماضي، والتي تجمع الجزائريين جميعا، بل
وتمثل مناط فخرهم وعزتهم، هي التي يدعو ابن باديس إلى التمسك بها وذكرها
وتربية الأبناء عليها، حتى تتوطد أركان الوحدة بين الجزائريين ويكونوا يدا
واحدة في بناء وطنهم ومواجهة أعدائهم.
أما تلك الدعوات المشبوهة
التي كانت في زمن ابن باديس ولا زال صوتها يعلو إلى اليوم، والتي تعمل على
بث أسباب الفرقة والشقاق بين العرب والبربر، من خلال اعتبار العرب غزاة
محتلين، والأمازيغ مضطَهَدين مقهورين، فهي دعوات لا هدف لها في الحقيقة إلا
الدعوة إلى رفض ما جاء به العرب معهم ألا وهو الإسلام الذي يدين به كافة
أفراد المجتمع الجزائري على تنوع أعراقهم واختلاف أجناسهم، واللغة العربية
التي هي اللسان الجامع بينهم ..
هـ ـ وحدة المصير:
وكما أن
الجزائريين ينتمون إلى موطن واحد، هم مطالبون بالمحافظة عليه وحمايته من كل
دخيل، وكما يجمعهم أيضا تاريخ واحد ينبغي عليهم تذكره واستحضاره، فهم كذلك
يشتركون في وحدة المصير الذي يجمعهم، فما يصيب شبرا من أرض الجزائر يلتزم
كافة الجزائريين بالدفاع عنه، لأن كل واحد منهم يعتبر مسؤولا عنه إلى جانب
غيره من بقية الجزائريين.. وما يصيب فريقا من الجزائريين، يكون بقيتهم
مطالبين بالشعور بالألم لألمه، وبواجب النهوض لحمايته ونصرته.. فمصير
الجزائريين جميعا واحد، وما قد يتهدد طرفا من بلادهم أو أبناء جهة من جهات
وطنهم، هو بالضرورة يتهدد بقية الأطراف وسائر أبناء الجهات الجزائرية
الأخرى.
فوحدة المصير بين الجزائريين توجب عليهم أن يوجهوا جهودهم
إلى إعداد العدة اللازمة للدفاع عن دينهم ولغتهم ووطنهم، لحماية كل ذلك من
أي عدو محتمل. وذلك لا يتأتى إلا بوحدتهم التي هي السد المنيع والحصن
الحصين في وجه كل الأطماع التي تستهدف إضعاف الصف الوطني وإثارة الفتن
والخصومات بين أبناء الوطن.
وإننا لنفهم هذا من كلام ابن باديس في
كلمته إلى أعضاء لجنة المؤتمر الإسلامي، حيث قال: "لا أعرف من معنى
المؤتمر الإسلامي الجزائري، إلا أنه اتحاد جميع العناصر الجزائرية للمطالبة
بالحقوق الواجبة لها على فرنسا... والمحافظة على المقومات اللازمة لها
كأمة عربية مسلمة. وعلى هذه العقيدة دعوت للمؤتمر، وعليها عملت فيه، وعليها
سأبقى عاملا فيه" .
فلا يهم أن يختلف الجزائريون فيما بينهم حول
بعض القضايا المتعلقة بشؤونهم الخاصة، لكن المهم والأهم أن يكونوا يدا
واحدة إذا تعلق الأمر بحقوقهم وحقوق دينهم ولغتهم ووطنهم، إذا ما تعرض شيء
من ذلك للخطر والعدوان.. والخطر كل الخطر يكمن في الاشتغال بالصراع حول
المسائل الجزئية البسيطة، والغفلة عن القضايا المصيرية المشتركة التي هي
فعلا أسباب الأخوة والاتحاد والتعاون بين الجزائريين.
4 ـ جهود ابن باديس في سبيل المحافظة على الوحدة الوطنية:
إذا
كان اهتمام ابن باديس بالوحدة الوطنية إنما يندرج ضمن اهتماماته الإصلاحية
الكبرى، فإن جهوده في مجال حماية الوحدة الوطنية، تندرج هي الأخرى ضمن
جهوده لتحقيق هدفه الأكبر، فكل جهد قدمه الرجل في إطار عمله الإصلاحي هو
بالضرورة جهد لحماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها، والعكس صحيح. لكن إذا
أردنا أن نخصص، فيمكن أن نشير إلى بعض المجالات التي انصبت فيها جهود
الشيخ حول الحفاظ على الوحدة الوطنية خاصة، ومنها :
أ ـ الوقوف في وجه المحاولات الاستعمارية الهادفة إلى زعزعة الوحدة الوطنية:
كثيرا
ما حاول الاستعمار الفرنسي ـ ولا يزال ـ زرع بذور الخلاف والشقاق بين
العناصر المختلفة المكونة للشعب الجزائري، فقد قسم هذا الشعب في البدء إلى
قسمين: عربا وبربرا، وأجرى الدراسات "الفيزيولوجية" على البربر، وادعى
بأنهم يشبهون في تكوينهم شعوب الغاليين، أسلاف الفرنسيين، وحاول إعادتهم
إلى "أصلهم التاريخي" في زعمه، عن طريق فصل مناطقهم عن المناطق الجزائرية
الأخرى، بسلسلة من الأنظمة والقوانين، وشجع عمليات فرنستهم وتنصيرهم، ولكنه
فشل في محاولته، كما فشل أيضا في إذكاء التقسيمات العشائرية بين البربر
أنفسهم، وذلك عندما وضع نظاما خاصا لكل وحدة عشائرية أو كل طائفة مذهبية من
الوحدات العشائرية البربرية المعروفة في الجزائر، وهي: القبائل، الشاوية،
الطوارق، والميزاب .
وقد تصدى ابن باديس لهذه المحاولات، وأكد على
ضرورة تمسك الشعب بعروبته وإسلاميته، فذلك كفيل بإفشال هذه المحاولات وردها
في نحور أصحابها. لذلك سعى ـ رحمه الله ـ إلى توحيد الشعب الجزائري كله
وراء هدف واضح ومحدد، على أساس من رابطة الدين والعروبة. وقد تمكن الإمام
أن يوحد صفوف الشعب ويكتل قواه الحية من أجل المحافظة على وحدته الوطنية من
ناحية، وإفساد أهداف الاستعمار في بذر بذور الخلاف والشقاق بين الجزائريين
من ناحية أخرى، وقد حقق هذا الهدف عن طريق التربية الإسلامية التي نشرها
في طول الجزائر وعرضها، وهي التربية التي ظلت فرنسا تحاربها باعتبارها تمثل
الخطر الأكبر على مستقبلها في الجزائر .
وكما وقف ابن باديس في
وجه محاولات الاستعمار لهدم الوحدة الوطنية، فقد وقف كذلك سدا منيعا أمام
بعض أذناب الاستعمار الذين حاولوا بث التفرقة بين الجزائريين عن طريق إثارة
النعرات العرقية، فكتب يوما منددا بأحد دعاة التفرقة، ومدافعا عن وحدة
الشعب، قائلا: "إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضعة
عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء وتؤلف بينهم
في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء، حتى كونت منهم منذ أحقاب
بعيدة عنصرا مسلما جزائريا أمه الجزائر وأبوه الإسلام، وقد كتب أبناء يعرب
وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم في
ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس
لخدمة العلم.. فأي قوة بعد هذا يقول عاقل تستطيع أن تفرقهم؟ لولا الظنون
الكواذب، والأماني الخوادع، ياعجبا لم يفترقوا وهم الأقوياء، فكيف يفترقون
وغيرهم القوي، كلا والله، بل لا تزيد كل محاولة للتفريق بينهم إلا شدة في
اتحادهم وقوة لرابطتهم" .
فالذي يجمع الجزائريين أكثر مما يفرقهم..
إن الذي يجمعهم هو مقومات ومميزات جنسيتهم ووطنيتهم التي لا يستطيع أحد
محوها أو التأثير عليها. وفي هذا يقول:
"نحن الأمة الجزائرية لنا
جميع المقومات والمميزات لجنسيتنا القومية، وقد دلت تجارب الزمان والأحوال
على أننا أشد الناس محافظة على هذه الجنسية القومية، وأننا ما زدنا على
الزمان إلا قوة فيها وتشبثا بأهدابها، وأنه من المستحيل إضعافنا فيها، فضلا
عن إدماجنا أو محونا" .
ب ـ العمل على توحيد الشعائر الدينية:
لا
يكتفي ابن باديس بهذا التأكيد على وحدة الشعب الجزائري ومواجهة المتنكرين
لها، بل يعمل أيضا على تحقيق الوحدة الدينية بينهم من خلال توحيد الشعائر
الدينية، وخاصة منها فريضة الصيام، وذلك من خلال استنكار مظاهر التفرقة
التي كانت تظهر مع إقبال شهر رمضان من كل عام. وقد كتب يوما يخاطب المسلمين
الجزائريين بعد أن استفحل بينهم الخلاف في شأن رؤية هلال رمضان، حيث كان
بعضهم يصبح صائما والبعض الآخر يصبح مفطرا، سواء في أول شهر رمضان أو في
آخره، مما جر إلى إثارة بعض النزاعات بين المسلمين في هذا الشأن، وكان مما
قاله رحمه الله:
"إن الخلاف كله شر، وشره ما كان في الدين، وأشنع
أنواعه وآلمها لكل ذي غيرة على دينه ما يقع كل عام بهذه الديار من اختلافكم
في الصوم والإفطار...
إن مسألة الصوم والإفطار خرجت عندنا من باب
الاعتبار الديني إلى باب التعصب الشخصي أو الحزبي، ومن آيات ذلك أن أصبحنا
نرى في هذه الأمة من يصوم لأن فلانا مفطر، ومن يفطر لأن فلانا صائم. ومن
القبيح الشنيع أن نجعل الدين ـ الذي هو مناط وحدتنا ومعقد ارتباطنا ـ موضوع
اختلافنا ودائرة تفرقنا وسبب تفكك رابطتنا...
أيحسن في الشرع أو يجمل في الذوق أن يكون في القبيلة الواحدة مفطر وصائم، ثم لا يكفي ذلك حتى يكون في البيت الواحد مفطر وصائم.
أيحسن في الشرع أو يجمل في الذوق أن تكون في البلدة الواحدة أسرة مبتهجة
بالعيد، بطالعه السعيد، كبارها يتقبلون التهاني والتبريكات، وصغارها
يتقلبون في صنوف الأفراح والمسرات، بينما جار الجنب صائم ممسك وأولاده
يتحرقون حسرة ويتميزون غيظا وإن كانوا لا يدرون على من؟ ولو كان الفرق يوما
واحدا لهان الأمر، ولكنه اليومان والثلاثة. فلا عجب إذا كان هذا الحال من
أسباب الضغائن والحقود تحملها القبيلة للقبيلة والأسرة للأسرة ثم يحملها
الأولاد للأولاد" .
وكما عمل ابن باديس على توحيد الشعائر الدينية
المتفق عليها بين المسلمين، عمل كذلك على أن يحترم المسلمون بعضهم بعضا في
الشعائر البسيطة المختلف في بعض كيفياتها، من ذلك ما قام به من جهد لحسم
الصراع الذي قام بين الإباضية والمالكية في شأن الأذان بمسجدي غرداية، حيث
قام الإباضية بمنع المالكية من إقامة الأذان للصلاة في هذين المسجدين. وقد
حاول ابن باديس أن يجد طريقة يجمع بها الفريقين ويجعل كلا منهما يتنازل
للآخر عن بعض ما يراه حقا له، ما دامت القضية موضع خلاف وليست أمرا مقطوعا
به في الدين، حفاظا على وحدتهم ومنعا لأسباب النزاع أن تشتت قوتهم.
ومما كتبه ابن باديس تعليقا على هده الحادثة، ومحاولة لإصلاح ما خلفته من آثار، قوله:
"...
برأنا الإباضية من تعصبهم على المالكية لأنهم مالكية، ولكننا من ناحية
أخرى نرى أنه حق عليهم أن يرجعوا في هذه المسألة عن رأيهم، ويسمحوا
لإخوانهم المالكية بالأذان.
أولا: إصلاحا لذات البين بين المسلمين، وهي في الإسلام من أول ما تجب وتتأكد المحافظة عليه والقيام به.
ثانيا: حفظا للوحدة الإسلامية بحفظ القلوب غير متصدعة بداء الفرقة القتال المعدود في الإسلام من أكبر المحرمات المهلكات.
ثالثا: مجاملة لبقية إخوانهم المالكية بالقطر، الذين تربطهم بهم رابطة الدين والوطن والمصلحة ".
ج ـ العمل الشخصي في فك الخصومات وفض النزاعات:
حيث كان لا يفتأ يسعى إلى كل شقاق يبلغ خبره إليه، فيعمل على إنهاء أسبابه
ومحاولة إقامة الصلح بين أطرافه، درءا للفتنة ودفعا لكل أسباب الشقاق،
ومحاولة لتوجيه جهود الأمة كلها إلى مواجهة المعضلة الكبرى التي كان يعاني
منها المجتمع الجزائري، ألا وهي معضلة الجهل والاستذلال. ولابن باديس في
هذا الإطار مواقفه الكثيرة، ومنها موقفه المشهور في إخماد نار الفتنة بين
اليهود والمسلمين في قسنطينة.
فقد "شهدت مدينة قسنطينة في صيف
1934م، حوادث دامية بين اليهود والمسلمين، بسبب انتهاك أحد اليهود وهو
"الياهو خليفي" حرمة المسجد واعتدائه على المصلين بالسب والشتم، وتوجيه
الكلام البذيء إليهم وإلى نبيهم ودينهم، فتحكم المسلمون في أعصابهم في
البداية ولم يجاروه، ولكنه تمادى في غيه، واستمر يسب ويشتم ويفحش في القول،
عند ذلك لجأ المسلمون إلى الشرطة وطالبوها بمعاقبته وتقديمه للمحاكمة،
ولكن اليهود جيرانه تضامنوا معه، وامتنعوا عن تسليمه للشرطة، فزاده ذلك
تعنتا وتجبرا، وانضم إليه جيرانه اليهود وأعلنوها هجمة شرسة على المسلمين،
وراحوا يطلقون الرصاص على المتجمهرين والمارين، وكادت الفتنة تعم المدينة
كلها لولا تدخل ابن باديس وبعض الأعيان الذين حرصوا على تهدئة الوضع.. وكان
لابن باديس دور كبير في تهدئة الجموع الهائجة وإخماد نار الفتنة، وسجل في
ذلك مواقف إنسانية شجاعة، إذ استطاع أن يجمع المسلمين ويقنعهم بتحكيم
العقل، وعدم مسايرة الاستفزازات اليهودية..." .
دـ الترفع عن مجاراة الخصوم فيما يبثونه من أسباب الفرقة والشقاق:
فابن
باديس باعتباره رئيسا لجمعية العلماء، كان يدرك جيدا خطورة السير في خط
الصراع والنزاع مع بقية التنظيمات الحزبية التي كانت موجودة في ذلك الحين،
وهو يعلم مدى حرص الحكومة الاستعمارية الفرنسية على تأجيج مثل هذه
الصراعات، لما فيها من هدم لأسباب الوحدة والتعاون بين التنظيمات الوطنية
الجزائرية واستمرار للسيطرة الفرنسية على الوضع.
لذلك عمل ما وسعه
الجهد أن يجنب جمعيته الوقوع في صراعات مع بقية التنظيمات الجزائرية
الأخرى، بل عمل من جهته على التعاون معها وإشعارها بأنه وجمعيته يقاسمانها
التفكير في تحرير الوطن وتخليصه من الاستعمار، شعاره في ذلك: "لنعمل معا
فيما اتفقنا فيه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
ورغم
محاولات الاستفزاز التي شنتها بعض التنظيمات الحزبية الوطنية تجاه الشيخ
وجمعيته، إلا أنه أعلن صراحة أنه لا ولن يجاريها في تلك الاستفزازات ولن
يسخر جهده ولا جهد جمعيته لمواجهتها والدخول في صراعات معها.
وقد صرح ابن باديس يوما بموقف جمعيته من بقية التنظميات، فقال:
"أما
موقف الجمعية مع خصومها، فإنها تعلم أن الأمة اليوم تجتاز طورا من أشق
أطوارها وأخطرها، فهي تتناسى كل خصومة، ولا تنبذ إلا أولئك الرؤوس، رؤوس
الباطل والضلال الذين لا تجدهم الأمة في أيام محنتها إلا بلاء عليها... ولا
يتحركون إلا إذا حُرِّكوا لغايات عكس غاياتها" .
فابن باديس كان
يدعو غيره من زعماء التنظيمات الوطنية إلى ترك أسباب الاختلاف التي يمكن أن
تفرقهم، وإلى توحيد الوجهة بتنظيم الجبهة الوطنية ضمن نقطة الالتقاء
المشتركة وهي العمل ضد الاستعمار .
تلك ـ إذن ـ بعض جهود ابن باديس
رحمه الله في حماية الوحدة الوطنية والذود عن حياضها، وترسيخ مقوماتها..
ولقد آتت تلك الجهود أكلها وأثمرت الخير الكثير، إن على صعيد الوحدة
الوطنية أو على سائر الأصعدة الأخرى التي ناضل فيها ابن باديس وعمل من
خلالها على انتشال المجتمع الجزائري من وهدة الجهل والتخلف والاستغلال..
والحق أنه ما كان لرجل مثل ابن باديس، في ضعف بنيته وقلة حيلته، أن يحقق
تلك المنجزات الضخمة لولا إيمانه العميق بالله عز وجل، وإيمانه بتناغم
الشعب الجزائري مع دعوته وحركته الإصلاحية، ذلك "الإيمان هو الذي ساعده على
النجاح، حتى استطاع أن يهزم خصوم القضية الوطنية وخصوم اللغة العربية،
وخصوم الإسلام في الجزائر، ويزيحهم جميعا واحدا بعد آخر، وبذلك خرجت
الشخصية الجزائرية، بكل مقوماتها الدينية واللغوية والوطنية، ظافرة منتصرة
على أعدائها، وسارت الجزائر نحو تحقيق هدفها الكبير في الحرية والاستقلال" .
إن
هذا الإيمان هو ما نحتاجه اليوم، ونحن نعمل على الحفاظ على مقومات وحدتنا
الوطنية وعناصر شخصيتنا الحضارية، وهذا الإيمان لن يتحقق في نفوسنا ولن نرى
آثاره في حياتنا إلا إذا وقر في نفوسنا حبا لوطننا وشعورا بانتمائنا
التاريخي والحضاري الذي ينبغي أن نفخر به ونعتز، لا أن نشعر بالدون
والنقص.. حبا يدفعنا إلى مزيد من العطاء والعمل كل في موقعه ومن خلال
إمكاناته على أن نعود بقاطرة وطننا إلى السكة الصحيحة.. فلنأخذ من ابن
باديس ذلك الإيمان وما اقترن به من حب وإخلاص لله والوطن، وإن لم نستطع، أو
لم يستطع بعضنا، فعلى الأقل لا نعمل على تخريب هذا الوطن وهدم كيانه
وإلغاء مقوماته، كما هو ديدن الكثيرين اليوم ممن مسخت شخصياتهم وأفكارهم
وفقدوا قيمهم وأخلاقهم، ولم يعد لهم من ذلك كله إلا الاسم والتواجد
الجغرافي..
رحم الله ابن باديس، وأعلى قدره في الخالدين، ووفقنا إلى
تقفي آثاره والسير على منهجه، الذي هو منهج الأنبياء المكرمين والعلماء
العاملين .
* أستاذ محاضر ورئيس المجلس العلمي، لكلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة باتنة ـ الجزائر.