ببداية سنة 1261 هـ عاد الأستاذ إلى أهله ببلدة الهامل ، وما إن وصل إلى أهله حتى جاءته مجموعة من مشايخ البلدية يعرضون عليه أن يجلس في المسجد العتيق للتدريس فلم يمانع ولكنه اشترط أن يحصل على الإذن بذلك من شيخه سيدي أحمد بن أبي داود . ولأن من عرضوا عليه الجلوس يعرفون قيمة هذا الإذن فقد امتثلوا فأوفدوا أربعة من نقباء البلدة إلى شيخه ، الذي لم يتردد في مكاتبة تلميذه يستحثه على الجلوس للتدريس ويحبب إليه هذا العمل ويذكره أنه مسؤول على تعليم ما تعلم ، كما بعث إليه بإجازته العامة التي تخول له أن يعلم كل ما تلقاه عن هذا الشيخ . لقد تجشم هؤلاء النفر مصاعب الطريق و متاعبها واحتملوا وعثاء السفر من أجل أن يوفروا لأبنائهم من يقوم على تعليمهم مبادئ دينهم ، لأنهم يدركون أن هذا الجهد الذي يبذلونه لن يذهب سدى ، ولعلهم يعرفون بفراسة المؤمن أن هذا الفتى سيكون له شأن وأي شأن . ولقد عاش منهم من رأى جموع الطلاب يتوافدون على زاويته من كل حدب وصوب. تحدث الأستاذ في سيرته الذاتية عن هذه الفترة فقال: " ... وبعد خمس سنين ، قدمت لبلدي ؛ قرية الهامل سنة 1261 هـ فأقمت بها ثماني سنين ، لتعليم الناس الفقه وغيره ، بزاوية القرية المعلومة؛ المسماة الجامع الفوقاني فلم أفارق الجامع ليلا ولا نهارا إلى تمام سنة 1272 هـ . " طبقت شهرة الزاوية الأفاق, وأمها الطلبة والزوار من كل جهات الوطن, من مناطق المدية, بوغار, تيارت, شرشال, سطيف, الجلفة, مناطق المسيلة, المعاضيد, الضلعة, ونوغة وكل أنحاء الجنوب الجزائري. وتوافد على الزاوية العلماء والأساتذة من جميع الجهات وتحولت الهامل وزاويتها إلى منتدى ثقافي عربي أصيل ومعلم ديني مشهور, وبلغ المعهد شأنا عظيما وفي هذا يقول الأستاذ محمد علي دبوز:"إن عظمة هذا المعهد كانت بعظمة مؤسسه فعبقريته العلمية, شخصيته القوية, وإخلاصه وبراعته وحكمته هي التي جعلت المعهد الهاملي يطلع طلوع الشمس قوية زاهرة. فأشتهر سريعا. وبعد أن كانت قرية الهامل تضم مدرستين قرآنيتين وبعض الكتاتيب الصغيرة عند بداية الاحتلال صارت مركز إشعاع علمي وديني عظيم, ومعلما نيرا. بعد تأسيس محمد بن أبي القاسم الزاوية والمعهد بها أصبح هذا الأخير مركزا هاما في المنطقة ارتاده في الفترة الممتدة بين 1883ـ1885 ما بين 200الى ـ300 طالب سنويا يدرسهم أستاذة مجازون مهرة بلغ عددهم في نفس الفترة 12 أستاذا في جميع المعارف والعلوم. وها هو المستشرق جاك بيرك يقول في رسالة وجهها إلى شيخ زاوية الهامل سنة 1965 "فيما يتعلق بي أن تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب العربي بأسره... وذلك لأنه في نفس هذا التاريخ بالذات ظهرت أيضا في المشرق البعيد بوادر النهضة وخصوصا في بيروت, هل هناك روابط أدبية وثقافية بين معهدكم وبين المدارس الأخرى في الشرق أو الغرب فيما عدا الرحلات الناتجة عن السفر والحج ؟...) ونذكر أن أعداد الطلاب ما قبل الثورة اختلفت وتراوحت بين أعداد معتبرة وأعداد متوسطة من 600 الى 800 طالب. والعدد المتوسط يتفاوت بين حقبة وأخرى وهذا خاضع للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المناطق التي عادة ما يكون منها طلبة الزاوية والتي لها دخل في التأثير على هذا العدد صعودا ونزولا. |